رضيت من الدنيا بما لا أوده محمود سامي البارودي

رضيت من الدنيا بما لا أوده
وأي أمرىء يقوى على الدهر زنده
أحاول وصلاً والصدود خصيمه
وأغبي وفاء والطبيعة ضده
حسبت الهوى سهلاً ولم أدر أنه
أخو غدرات يتبع الهزل جدة
تخف له الأحام وهي رزينة
ويعنو له من كل صعب أشده
ومن عجب أن الفتى وهو عاقل
يطيع الهوى فيما ينافيه رشده
يفر من السلوان وهو يريحه
ويأوي إلى الأشجان وهي تكده
وما الحب إلا حاكم غير عادل
إذا رام أمراً لم يجد من يصده
له من لفيف الغيد جيش ملاحة
تغير على مثوى الضمائر جنده
ذوابله قاماته وسيوفه
لحاظ العذارى والقالائد سرده
إذا ماج بالهيف الحسان تأرجت
مسالكه واشتق ف يالجو نده
فاي فؤاد لاتذوب حصاته
غراماً وطرف ليس يقديه سهده
بلوت الهوى حتى اعترفت بكل ما
جهلت فلا يعررك فالصاب شهده
ظلوم له في كل حي جريرة
يضج لها غور الفضاء ونجه
إذا احتل قلباً مطمئنا تحركت
وساوسه في الصدر واختل وكده
فإن كنت ذا لب فلا تقربنه
فغير بعيد أن يصيبك حده
وقد كنت اولى بالنصيحة لوصغا
فؤادي ولكن خالف الحزم قصده
إذا لم يكن للمرء عقل يقوده
فيوشك ان يلقى حساماً يقده
إذا لم يكن للمرء عقل يقوده
فيوشك أن يلقى حساماً يقده
لعمري لقد ولى الشباب وحل بي
من الشيب خطب لايطاق مرده
فأي نعيم في الزمان أورمه
وأي خليل للوفاء أعده
وكيف الوم الناس في الغدر بعدما
رأيت شباب قد تغير عهده
وأبعد مفقود شباب رمت به
صروف الليالي عند من لايرده
فمن لي بخل صادق استعينه
على أملي أو ناصر استمده
صحبت بني الدنيا طويلاً فلم أجد
خليلاً فهل من صاحب استجده
فأكثر من لاقيت لم يصف قلبه
واصدق من واليت لم يغن ودة
أطالب أيامي بما ليس عندها
ومن طلب المعدوم اعياه وجده
فما كل حي ينصر القول فعله
ولا كل خل يصدق النقص وعده
وأصعب مايلقى الفتى في زمانه
صاحبة من يشفي من الداء فقده
وللنجح أسباب إذا لم يفز بها
لبيب من الفتيان لم يرو زنده
ولكن إذا لم يسعد المرس جده
على سعيه لم يبلغ السؤل جدة
وما أنا بالمغلوب دون مرامه
ولكنه قد يخذل المرء جهده
وما أبت بالحرمان إلا لأني
أود من الأيام مالاتوده
فإن يك فارقت الرضا فلبعدما
صحبت زمانا يغضب الحر عبده
أبى الدهر إلا أن يسود وضيعه
ويملك أعناق المطالب وغدة
تداعت لدرك الثأر فينا ثعاله
ونامت على طول الوتيرة اسده
فحتام نسري في دياجير محنة
يضيق بها عن صحبة السيف غمدة
إذا المرء لم يدفع يد الجور إن سطت
عليه فلا يأسف إذا ضاع مجده
ومن ذل خوف الموت كانت حياته
أضر عليه من حمام يؤده
وأقتل داء رؤية العين ظالماً
يسىء ويتلى في المحافل حمده
علام يعيش المرء في الدهر خاملاً
أيفرح في الدنيا بيوم يعده
يرى الضيم يغشاه فيلتذ وقعه
كذي جرب يلتذ بالحك جلده
إذا المرء لاقى السيل ثمت لو يعج
إلى وزر يحميه أراده مده
عفاء على الدنيا إذا المرء لم يعش
بها بطلاً يحمي الحقيقة شده
من العار أن يرضى الفتى بمذلة
وفي السيف مايكفي لأمر يعده
وأني امرؤ لااستكين لصوله
وإن شد ساقي دون مسعاي قده
أبت لي حمل الضيم نفس أبيه
وقلب إذا سيم الأذى شب وقده
نماني إلى العياء فرع تأثلت أورمنة في المجد وافتر سعده
وحسب الفتى مجداً إذا طالب العلا
بما كان اوصاه ابوه وجده
إذا ولد المولد منا فدره
دم الصيد والجرد العناجيج مهده
فإن عاش فالبيد الدياميم داره
وإن مات فالطير الاضاميم لحده
أصد عن المرمى القريب ترفعاً وأطلب أمراً يعجز الطير بعده
ولابد من يوم تلاعب بالقنا
أسود الوغى فيه وتمرح جرده
يمزق استار النواظر برقه
ويقرع اصداف المسامع رعده
تدبر أحكام الطعام كهوله
وتملك تصريف الأعنة مرده
قلوب الرجال المستبدة اكله
وفيض الدماء المستهلة وردة
أحمل صدر النصل فيه سريرة
تعد لأمر لايحاول رده
فإما حياة مثل ما تشتهي العلا
وإما ردى يشفي من الداء وفده