عدد تصفح الموقع
اضغط على الآية لمعرفة المزيد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 17 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 17 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 184 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 206 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Nour El Houda Khaldi فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 71341 مساهمة في هذا المنتدى في 44690 موضوع
» ابو فراس الحمداني
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
» ابو فراس الحمداني
]انه نموذج للشعر
العربي الأصيل، الذي يعبر عن وجدان عاشق فارس ، يعتز بنسبه العريق ، وتسري
في عروقه دماء عربية أصيلة جعلته دائم الفخر والاعتزاز بنفسه ومكانته ،
ولم لا ؟ وهو الشاعر الفارس الأمير سيف الدولة أمير حلب ، أشهر أمير عربي
خلده شاعر العربية الكبير (( المتنبي )) في سيفياته التي قالها وهو في
جواره، يصف وقائعه ، ويسجل أحداث زمانه .
]هل عرفتموه انه
الشاعر العربي الكبير أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن
حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن
محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب
بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني التغلبي.
و يعود نسبه إلى
(تغلب) تلك القبيلة العظيمة التي أنجبت روائع الفرسان من أمثال السَّفاح
التغلبي وكليب والزير سالم وعمرو بن كلثوم.. وغيرهم كثير..
]وعمرو بن كلثوم
وحده من أشد الناس وأكثرهم شراً على مَنْ فيه شر، حتى انه قتل عمرو بن هند
ملك العرب في وقته، والملقب ب (مُضرط الحجارة) لقسوته وبأسه.. قتله في
خيمته وبسيفه نفسه! أي سيف عمرو بن هند!.. وقال معلقته الشهيرة..
والشريرة.. وألقِّبها بالشريرة لشدة ما فيها من الفخر بالظلم وإن كان عصر
عمرو بن كلثوم عصر ظُلْم فعلاً، ومن لا يظلم الناس فيه يُظْلم، عصر
الجاهلية.. وقانون الغاب.. وعمرو بن كلثوم خير من يفهم قانون الغاب وشرُّ
من يُطبق الظلم ويبدأ به في عصر لا يعيش فيه غير الظالم العنيف القوي..
ومما يدلُّ على أن عمرو بن كلثوم شرٌ منَّزل وأنَّ معلقته الشهيرة يُمكن
أن يُطلق عليها (المعلقة الشريرة) قوله:
بغاةً ظالمين وما ظلمنا
]ولكنَّا سنبدأ ظالماينا!!
]فهو سيبدأ بالظلم عيني عينك!) ولو لم يظلمه أحد ولا يستطيع أن يظلمه أحد في اعتقاده، ويفتخر بالبغي!!
]وقوله:
لنا الدنيا ومَنْ أمسى عليها
]ونبطش حين نبطش قادرينا..!
](والمشكلة انه قول وفعل!)
]وقوله:
]إذا بلغ الفطَام لنا صبيٌ
]تخرُّ له الجبابُر ساجدينا!
]جاهلي!.. بل شرٌ مْنزل في عصر شر..!
]إذن فأبو فراس
الحمداني ينحدر من تلك القبيلة العظيمة (تغلب) والمليء تاريخها بالفروسية
والفرسان.. وبالمآثر والأمجاد.. ومن عائلة (بني حمدان) التي لها الامارة
في الشام ولها الصدارة بين العائلات..
وقد كان أبو فراس
طويلاً جميلاً.. فارساً مغواراً وشاعراً مبدعاً.. وأميراً نبيلاً.. ولكن
كل هذه الصفات المميزة فيه كادت تضيع في وقته لوجود رجلين:
الاول: ابن عمه سيف الدولة الحمداني الذي كان أعرق منه في الامارة وأدهى في السياسة..
ذوالثاني: ابو الطيب
المتنبي الذي كسف شعره بأشعار الأولين والآخرين، وأولهم معاصره أبو فراس،
على جمال شعر الأخير وشدة اعتزازه بشعره..
ذورغم أن أبا فراس
كان يحب سيف الدولة أو يتظاهر بذلك، إلا أنه في أعماقه ربما كان يرى نفسه
أولى بالامارة، ويطمح لها، لهذا تلكأ سيف الدولة طويلاً في فداء أبي فراس
حين سجنه الروم، وتعلل بأعذار ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب..
]ولد أبو فراس في الموصل - وقيل في (منبج) سنة 320 وقتل سنة 357 بعد أن ثار على ابن سيف الدولة طمعاً في الامارة..
وكان شديد التعلق
بأمه، باراً بها، خاصة انه عاش يتيماً إذ أن أباه مات قتيلاً على يد أخي
سيف الدولة الحمداني، لأنه سعى للاستقلال بالموصل، فنشأ أبو فراس في كنف
سيف الدولة، وفي عائلة قال عنها الثعالبي صاحب كتاب يتيمة الدهر 1/27 «كان
بنو حمدان ملوكاً وأمراء أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم
للسماحة، وعقولهم للرجاحة».
قلت: الوصف الأخير
مشكوك فيه، فقد كانت الخلافات والثورات بينهم كثيرة، وهذا لا يدل على
رجاحة عقل.. ومع ذلك فإن لأبي فراس أبياتاً صادقة في الحكمة، تدل على عقل
وتجربة.. على أنه مات صغيراً، ومن حكمه:
٭ ما كُلُّ ما فوقَ البرية كافياً
فإذا قنعٌت فكُلُّ شيء كافي
٭ إذا ما برد القلب
فما تسخنه النار
٭ أبذلُ الحقَّ للخصوم إذا ما
عجزتْ عنه قدرة الحُكَّام
٭ لقد قَلَّ من الناس مجملاً
وأخشى قريباً أنْ يقلَّ المجاملُ
٭ وأعظم أعداء الرجال ثقاتها
وأهونُ من عاديته مَنْ تُحاربُ
٭ لعمركَ ما الأبصار تنفع أهلها
إذا لم تكُنْ للمبصرين بصائر
٭ إذا أوجعتني من أعادي شيمةٌ
لقيت منَ الأحباب أدهى وأوجعا
٭ ما العُمرُ ما طالت به الدهور
العُمْرُ ما تمَّ به السرور
على أنه وَصَفَ نفسه واختصر أهدافه ودلَّ
على مفتاح شخصيته ببيت واحد:
مَنْ كانَ مثلي لمَ يَبتْ
إلا أسيراً أو أميراً
ودلَّ على فروسيته وشاعريته معاً ببيت واحد:
سيفقدني قومي إذا جَدَّ جدُّهمْ
وفي الليلة الظلماء يُفتَقَدُ البدرُ!
وقد أسر الروم أبا
فراس حين كان أميراً على منبج لسيف الدولة.. وهي قريبة من الروم.. وكان قد
خرج في شوال سنة 351ه مع رجال وغلمان له، يريد الصيد فهاجمته حملة من
الروم وأصابوه بسهم في فخذه ثم أسروه بعد أن قاتل ببسالة، وكانوا يريدونه
بالذات، ويريدون أسره ليفتدوا به أخاً لبطريق من بطارقتهم، كان أسيراً لدى
سيف الدولة أمير حلب والشام، ولكن سيف الدولة أبى الفداء، وزعم أنه لابد
من خروج جميع أسرى المسلمين مقابل هذا الأسير، ولم يعرض خروج أسرى الروم
كلهم، وهم أكثر من أسرى المسلمين لدى الروم، مما يدل على رغبته في بقاء
أبي فراس أسيراً، خوفاً على إمارته منه، فرغم أن أبا فراس كان مطيعاً له،
إلا انه كان ذا طموح واعتداد شديد بنفسه، يقول لسيف الدولة وهو أميره:
بنا وبكم يا سيف دولة هاشم
يطول بنو أعمامنا ويُفَاخر!
فيقدم نفسه على أميره!
وقد مكث أبو فراس في سجن الروم أربع سنين، بينما مكث راكان بن حثلين في سجن الأتراك سبع سنوات..
وتروي بعض الكتب أن
أبا فراس أسرَ مرتين، وكانت الاولى قصيرة الأمد، وتزعم أن أبا فراس خلص
نفسه بما يشبه الأسطورة، فقد سجن في مغارة الكحل وهي قلعة ببلاد الروم
يجري نهر الفرات بجانبها فأخذ فرساً في القلعة وقفز به من أعلى الحصن إلى
النهر، هذا ما أورده ابن خلكان ودائرة المعارف الإسلامية 1/,387.
ونعتقد أنه أسرَ
مرة واحدة ونقل إلى (خَرْشَنَة) ثم القسطنطينية فلبث أسيراً أربع سنوات،
حتى فداه ابن عمه بعد جهد وإلحاح، ويدل على هذا شعر أبي فراس ورواية
الثعالبي في يتيمة الدهر 1/,75. فلو أسر قبل ذلك.. وخلَّص نفسه بتلك
الطريقة الأسطورية لذكر هذا في شعره وفخر به فخراً شديداً، ولذكره
الثعالبي أيضاً فقد كان شديد الاعجاب ببني حمدان عامة.. وأبي فراس خاصة..
وأبو فراس من الشعراء المجيدين الكبار، ولكن معاصرته للمتنبي كسفت نجوم شعره عند تلك الشمس..
ومن أعذب شعره..
وأرقه.. وأكثره إنسانية.. شعره وهو أسير (روميات أبي فراس) وخاصة ما وجهه
لأمه.. وفي بعضه يتجلى الضعف البشري كأوضح ما يكون.. حتى عند أشجع
الفرسان.. فالسجن الطويل، والألم لتنكر ابن عمه، آذيا نفسه كثيراً..
ربما يرتج القول في
المترجم وأمثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، أيطريه عند صياغة القول؟ أو
يصفه عند قيادة العسكر: وهل هو عند ذلك أبرع؟ أم عند هذا أشجع؟ وهل هو
لجمل القوافي أسبك؟ أم لازمة الجيوش أملك؟ والخلاصة أن الرجل بارع في
الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك، وظروف الأدباء، وضم
إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء، وجمع له بين السيف و القلم، فهو
حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية
تعصيه، ولا الروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين
شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه، وقد ترجم بعض أشعاره إلى
اللغة الألمانية
كما في دائرة المعارف الإسلامية.
قال الثعالبي في
يتيمة الدهر ج 1 ص 27: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ونبلا،
ومجدا وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن
والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة، ومعه
رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في
شعر عبد الله بن المعتز، وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة، ونقدة
الكلام، وكان الصاحب يقول: (بدئ الشعر بملك وختم بملك) يعني امرؤ القيس
وأبا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، فلا
يتبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من
آل حمدان تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا، وكان سيف الدولة يعجب جدا
بمحاسن أبي فراس، ويميزه بالإكرام عن ساير قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه
في غزواته، ويستخلفه على أعماله، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته
إياه، ويوافيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته. ا هـ.
وتبعه في إطرائه
والثناء عليه ابن عساكر في تاريخه ج 2 ص 440. وابن شهر آشوب في معالم
العلماء. ابن الأثير في الكامل ج 8 ص 194. ابن خلكان في تاريخه ج 1 ص 138.
أبو الفدا في تاريخه ج 2 114. اليافعي في مرآة الجنان ج 2 ص 369. و مؤلفي
شذرات الذهب ج 3 ص 24. مجالس المؤمنين ص 411. رياض العلماء. أمل الآمل ص
266. منتهى المقال ص 349. رياض الجنة في الروضة الخامسة. دائرة المعارف
للبستاني ج 2 ص 300. دائرة المعارف لفريد وجدي ج 7 ص 150. روضات الجنات ص
206. قاموس الأعلام للزركلي ج 1 ص 202. كشف الظنون ج 1 ص 502. تاريخ آداب
اللغة ج 2 ص 241. الشيعة وفنون الاسلام 107. معجم المطبوعات. دائرة
المعارف الإسلامية ج 1 ص 387. وجمع شتات ترجمته وأوعى سيدنا المحسن الأمين
في 260 صحيفة في أعيان الشيعة في الجزء الثامن عشر ص 29 298.
كان المترجم يسكن
منبج، وينتقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة، واشتهر
في عدة معارك معه، حارب بها الروم، أسر مرتين فالمرة
الأولى بـ (مغارة
الكحل) سنة 348 وما تعدوا به (خرشنة) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري
من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن
إلى الفرات والله أعلم.
والمرة الثانية:
أسرته الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351، أسر وهو جريح وقد
أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في
الأسر أربع سنين، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355،
وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين
إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شج،
تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ لسلاستها، تسمى بالروميات.
قال ابن خالويه:
قال أبو فراس: لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه
أسيرا قبلي، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل
لقاء الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه
ثلاث سجدات أو نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري،
فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [ برطسان ] يخدمني، و
أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي، وبذل لي المفاداة
مفردا، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن
أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف
الدولة يستبقي أسارى الروم، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ
من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء
واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت
بوجوههم إلى (خرشنة) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة فقلت في ذلك شعرا:
ولله عندي في الاسئار وغيره * مواهب لم يخصص بها أحد قبلي
حللت عقودا أعجز الناس حلها * وما زال عقدي لا يذم ولا حلي
إذا عاينتني الروم كبر صيدها * كأنهم أسرى لدي وفي كبلي
وأوسع أياما حللت كرامة * كأني من أهلي نقلت إلى أهلي
فقل لبني عمي وأبلغ بني أبي: * بأني في نعماء يشكرها مثلي
وما شاء ربي غير نشر محاسني * وأن يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل
قال ابن خالويه:
تأخرت كتب سيف الدولة عن أبي فراس في أيام أسره، فذلك أنه بلغه أن بعض
الأسراء قال: إن ثقل هذا المال على الأمير كاتبنا فيه صاحب
خراسان وغيره من
الملوك وخففت علينا الأسر، وذكر أنهم فرروا مع الروم إطلاق أسراء المسلمين
بما يحملونه، فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول، لضمانه المال للروم
وقال: من أين تعرفه أهل خراسان؟ فقال أبو فراس هذ القصيدة وأنفذها إلى سيف
الدولة.
قال الثعالبي: كتب
أبو فراس إلى سيف الدولة: مفاداتي إن تعذرت عليك فأذن لي في مكاتبة أهل
خراسان ومراسلتهم ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فأجابه سيف الدولة: من
يعرفك بخراسان؟ فكتب إليه أبو فراس:
أسيف الهدى وقريع العرب * إلام الجفاء وفيم الغضب؟
وما بال كتبك قد أصبحت * تنكبني مع هذي النكب؟
وأنت الكريم وأنت الحليم * وأنت العطوف وأنت الحدب (1)
وما زلت تسبقني بالجميل * وتنزلني بالمكان الخصب
وإنك للجبل المشمخر * إلي بل لقومك بل للعرب
وتدفع عن حوزتي الخطوب * وتكشف عن ناظري الكرب
علا يستفاد وعاف يعاد * وعز يشاد ونعمى ترب
وما غض مني هذا الأسار * ولكن خلصت خلوص الذهب
ففيم يعرضني بالخمول * مولى به نلت أعلى الرتب
وكان عتيدا لدي الجواب * ولكن لهيبته لم أجب
أتنكر أني شكوت الزمان * وأني عتبتك فيمن عتب؟!
وإلا رجعت فاعتبتني * وصيرت لي ولقومي الغلب
فلا تنسبن إلي الخمول * أقمت عليك فلم اغترب
وأصبحت منك فإن كان فضل * وإن كان نقص فأنت السبب
وإن خراسان إن أنكرت * علاي فقد عرفتها حلب
ومن أين ينكرني الأبعدون * أمن نقص جد أمن نقص أب؟!؟!
ألست وإياك من أسرة * وبيني وبينك عرق النسب؟!
ميلاده ومقتله
ولد المترجم سنة
320 وقيل 321 ويعين الأول ما حكاه ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال له: إن
في سنة 339 كان سني 19 سنة، وقتل يوم الأربعاء لثمان من ربيع الآخر (2) وعن الصابي في تاريخه (3) يوم السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى سنة 357 (4)
وذلك أنه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص وتطلع إليها
وكان مقيما بها فاتصل خبره إلى ابن أخته أبي المعالي ابن سيف الدولة وغلام
أبيه قرعويه (1) وجرت بذلك بين أبي فراس
وبين أبي المعالي وحشة، فطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فاس إلى [ صدد ] وهي
قرية في طريق البرية عند حمص، فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب
وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه ب [ صدد ] فكبسوه فاستأمن أصحابه
واختلط هو بمن استأمن معهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله. فقتله وأخذ رأسه
وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب.
قال الثعالبي: دلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في مرثية أبي فراس على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين موالي أسرته.
وقال ابن خالويه:
بلغني أن أبا فراس أصبح يوم مقتله حزينا كئيبا وكان قد قلق في تلك الليلة
قلقا عظيما فرأته ابنته امرأة أبي العشائر كذلك فأحزنها حزنا شديدا ثم بكت
وهو على تلك فأنشأ يقول كالذي ينعي نفسه وإن لم يقصد
* (ما يتبع الشعر) *
توجد هذه القصيدة
كما رسمناها 58 بيتا في ديوانه المخطوط المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي
المعاصر له المتوفى بحلب في خدمة بني حمدان سنة 370، و خمس منها العلامة
الشيخ إبراهيم يحيى العاملي 54 بيتا، وذكر تخميسه في [ منن الرحمان ] ج 1
ص 143 مستهله:
يا للرجال لجرح ليس يلتئم * عمر الزمان وداء ليس ينحسم
حتى متى أيها الأقوام والأمم * الحق مهتضم.........
أودى هدى الناس حتى أن أحفظهم * للخير صار بقول السوء ألفظهم
فكيف توقظهم إن كنت موقظهم * والناس عندك.........
وهي التي شرحها م -
أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي
المتوفى 565، وشرحها ] ابن أمير الحاج بشرحه المعروف المطبوع وتوجد
بتمامها في (الحدائق الوردية) المخطوط، وذكرها القاضي في (مجالس المؤمنين)
ص 411، والسيد ميرزا حسن الزنوزي في (رياض الجنة) في الروضة الخامسة ستين
بيتا، وهي التي شطرها العلامة السيد محسن الأمين العاملي. وإليك نص
البيتين الزائدين:
أمن تشاد له الألحان سايرة * عليهم ذو المعالي أم عليكم؟ (3)
صلى الإله عليهم كلما سجعت * ورق فهم للورى كهف ومعتصم (1)
وأسقط ناشر الديوان منها أبياتا وذكرها 53 بيتا وأحسب أنه التقط أبياتا ما كان يروقه مفادها ودونك الإشارة إليها:[/size]
1 - وكل مائرة الضبعين مسرحها[
2 - وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا
3 - فما السعيد بها إلا الذي ظلموا
4 - للمتقين من الدنيا عواقبها
5 - ليس الرشيد كموسى في القياس ولا[
6 - يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم
7 - صلى الإله عليهم كلما سجعت
هذه القصيدة تعرف ب
(الشافية) وهي من القصايد الخالدة التي تصافقت المصادر على ذكرها أو ذكر
بعضها (2) أو الايعاز إليها، مطردة متداولة بين الأدباء، محفوظة عند
الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمير السيف والقلم وإلى الآن،
وستبقى خالدة مع الدهر، وذلك لما عليها من مسحة البلاغة، ورونق الجزالة،
وجودة السرد، وقوة الحجة، وفخامة المعنى، وسلاسة اللفظ، ولما أنشد ناظمها
(الأمير) أمر خمسمائة سيفا وقيل أكثر يشهر في المعسكر (3) نظمها لما وقف
على قصيدة ابن سكرة العباسي التي أولها:
بني علي دعوا مقالتكم * لا ينقص الدر وضع من وضعه
كانت نشأة أبي فراس
وطفولته في ظل والدته التي حدبت على رعايته، وتحت عطف زوج أخته سيف الدولة
وتتلمذ على اللغوي الشهير ابن خالويه وغيره، كما شاهد أرباب القلم يفدون
على بلاط سيف الدولة، واحتك بهم، ونبغ في الشعر، فتغزل ووصف المعارك، وله
في الأسر قصائد كثيرة مشهورة عرفت بـ"الروميات" تعتبر من أرق شعره وأجمله.
سخر أبو فراس شعره ليتحدث عن مشاعره وأحاسيسه، فقد كان وجدانيا يصف ما يقع
تحت بصره من حوادث ووقائع، وما يعتلج في صدره من آلام وآمال، ولأبي فراس
مكانة عند مؤلفي الأدب، فقد قيل فيه: "بُدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني
امرؤ القيس وأبا فراس".
قصيدة الفداء
خرج ابن أخت ملك الروم إلى نواحي منبج في ألف فارس من الروم، فصادف أبا
فراس يتصيد سبعين فارسا، فقاتلهم حين لم يجد من لقائهم بدا بغير الفرار،
فأصيب بسهم فأخذوه أسيرا، وطلب الروم فداء لأبي فراس إطلاق سراح أخي
"بودرس" ابن أخت ملك الروم الذي كان أسيرا لدى سيف الدولة، فكتب إليه أبو
فراس يحثه على الفداء:
دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ
لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِ وإنهــا
لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
وما الأسر مما ضقت ذرعا بحمله
وما الخطب مما أن أقول له قـَـــدِ
وما زل عني أن شخصا معرضــا
لنبل العد ىإن لم يصب فكأنْ قـَـدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ
يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي
على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
وتأبى وآبـــى أن أمــــوتَ مـُـوسدًا
بأيدي النصارى موتَ أكمـــدَ أكبدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي
ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ» ابو فراس الحمداني
العربي الأصيل، الذي يعبر عن وجدان عاشق فارس ، يعتز بنسبه العريق ، وتسري
في عروقه دماء عربية أصيلة جعلته دائم الفخر والاعتزاز بنفسه ومكانته ،
ولم لا ؟ وهو الشاعر الفارس الأمير سيف الدولة أمير حلب ، أشهر أمير عربي
خلده شاعر العربية الكبير (( المتنبي )) في سيفياته التي قالها وهو في
جواره، يصف وقائعه ، ويسجل أحداث زمانه .
]هل عرفتموه انه
الشاعر العربي الكبير أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن
حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن
محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب
بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني التغلبي.
و يعود نسبه إلى
(تغلب) تلك القبيلة العظيمة التي أنجبت روائع الفرسان من أمثال السَّفاح
التغلبي وكليب والزير سالم وعمرو بن كلثوم.. وغيرهم كثير..
]وعمرو بن كلثوم
وحده من أشد الناس وأكثرهم شراً على مَنْ فيه شر، حتى انه قتل عمرو بن هند
ملك العرب في وقته، والملقب ب (مُضرط الحجارة) لقسوته وبأسه.. قتله في
خيمته وبسيفه نفسه! أي سيف عمرو بن هند!.. وقال معلقته الشهيرة..
والشريرة.. وألقِّبها بالشريرة لشدة ما فيها من الفخر بالظلم وإن كان عصر
عمرو بن كلثوم عصر ظُلْم فعلاً، ومن لا يظلم الناس فيه يُظْلم، عصر
الجاهلية.. وقانون الغاب.. وعمرو بن كلثوم خير من يفهم قانون الغاب وشرُّ
من يُطبق الظلم ويبدأ به في عصر لا يعيش فيه غير الظالم العنيف القوي..
ومما يدلُّ على أن عمرو بن كلثوم شرٌ منَّزل وأنَّ معلقته الشهيرة يُمكن
أن يُطلق عليها (المعلقة الشريرة) قوله:
بغاةً ظالمين وما ظلمنا
]ولكنَّا سنبدأ ظالماينا!!
]فهو سيبدأ بالظلم عيني عينك!) ولو لم يظلمه أحد ولا يستطيع أن يظلمه أحد في اعتقاده، ويفتخر بالبغي!!
]وقوله:
لنا الدنيا ومَنْ أمسى عليها
]ونبطش حين نبطش قادرينا..!
](والمشكلة انه قول وفعل!)
]وقوله:
]إذا بلغ الفطَام لنا صبيٌ
]تخرُّ له الجبابُر ساجدينا!
]جاهلي!.. بل شرٌ مْنزل في عصر شر..!
]إذن فأبو فراس
الحمداني ينحدر من تلك القبيلة العظيمة (تغلب) والمليء تاريخها بالفروسية
والفرسان.. وبالمآثر والأمجاد.. ومن عائلة (بني حمدان) التي لها الامارة
في الشام ولها الصدارة بين العائلات..
وقد كان أبو فراس
طويلاً جميلاً.. فارساً مغواراً وشاعراً مبدعاً.. وأميراً نبيلاً.. ولكن
كل هذه الصفات المميزة فيه كادت تضيع في وقته لوجود رجلين:
الاول: ابن عمه سيف الدولة الحمداني الذي كان أعرق منه في الامارة وأدهى في السياسة..
ذوالثاني: ابو الطيب
المتنبي الذي كسف شعره بأشعار الأولين والآخرين، وأولهم معاصره أبو فراس،
على جمال شعر الأخير وشدة اعتزازه بشعره..
ذورغم أن أبا فراس
كان يحب سيف الدولة أو يتظاهر بذلك، إلا أنه في أعماقه ربما كان يرى نفسه
أولى بالامارة، ويطمح لها، لهذا تلكأ سيف الدولة طويلاً في فداء أبي فراس
حين سجنه الروم، وتعلل بأعذار ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب..
]ولد أبو فراس في الموصل - وقيل في (منبج) سنة 320 وقتل سنة 357 بعد أن ثار على ابن سيف الدولة طمعاً في الامارة..
وكان شديد التعلق
بأمه، باراً بها، خاصة انه عاش يتيماً إذ أن أباه مات قتيلاً على يد أخي
سيف الدولة الحمداني، لأنه سعى للاستقلال بالموصل، فنشأ أبو فراس في كنف
سيف الدولة، وفي عائلة قال عنها الثعالبي صاحب كتاب يتيمة الدهر 1/27 «كان
بنو حمدان ملوكاً وأمراء أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم
للسماحة، وعقولهم للرجاحة».
قلت: الوصف الأخير
مشكوك فيه، فقد كانت الخلافات والثورات بينهم كثيرة، وهذا لا يدل على
رجاحة عقل.. ومع ذلك فإن لأبي فراس أبياتاً صادقة في الحكمة، تدل على عقل
وتجربة.. على أنه مات صغيراً، ومن حكمه:
٭ ما كُلُّ ما فوقَ البرية كافياً
فإذا قنعٌت فكُلُّ شيء كافي
٭ إذا ما برد القلب
فما تسخنه النار
٭ أبذلُ الحقَّ للخصوم إذا ما
عجزتْ عنه قدرة الحُكَّام
٭ لقد قَلَّ من الناس مجملاً
وأخشى قريباً أنْ يقلَّ المجاملُ
٭ وأعظم أعداء الرجال ثقاتها
وأهونُ من عاديته مَنْ تُحاربُ
٭ لعمركَ ما الأبصار تنفع أهلها
إذا لم تكُنْ للمبصرين بصائر
٭ إذا أوجعتني من أعادي شيمةٌ
لقيت منَ الأحباب أدهى وأوجعا
٭ ما العُمرُ ما طالت به الدهور
العُمْرُ ما تمَّ به السرور
على أنه وَصَفَ نفسه واختصر أهدافه ودلَّ
على مفتاح شخصيته ببيت واحد:
مَنْ كانَ مثلي لمَ يَبتْ
إلا أسيراً أو أميراً
ودلَّ على فروسيته وشاعريته معاً ببيت واحد:
سيفقدني قومي إذا جَدَّ جدُّهمْ
وفي الليلة الظلماء يُفتَقَدُ البدرُ!
وقد أسر الروم أبا
فراس حين كان أميراً على منبج لسيف الدولة.. وهي قريبة من الروم.. وكان قد
خرج في شوال سنة 351ه مع رجال وغلمان له، يريد الصيد فهاجمته حملة من
الروم وأصابوه بسهم في فخذه ثم أسروه بعد أن قاتل ببسالة، وكانوا يريدونه
بالذات، ويريدون أسره ليفتدوا به أخاً لبطريق من بطارقتهم، كان أسيراً لدى
سيف الدولة أمير حلب والشام، ولكن سيف الدولة أبى الفداء، وزعم أنه لابد
من خروج جميع أسرى المسلمين مقابل هذا الأسير، ولم يعرض خروج أسرى الروم
كلهم، وهم أكثر من أسرى المسلمين لدى الروم، مما يدل على رغبته في بقاء
أبي فراس أسيراً، خوفاً على إمارته منه، فرغم أن أبا فراس كان مطيعاً له،
إلا انه كان ذا طموح واعتداد شديد بنفسه، يقول لسيف الدولة وهو أميره:
بنا وبكم يا سيف دولة هاشم
يطول بنو أعمامنا ويُفَاخر!
فيقدم نفسه على أميره!
وقد مكث أبو فراس في سجن الروم أربع سنين، بينما مكث راكان بن حثلين في سجن الأتراك سبع سنوات..
وتروي بعض الكتب أن
أبا فراس أسرَ مرتين، وكانت الاولى قصيرة الأمد، وتزعم أن أبا فراس خلص
نفسه بما يشبه الأسطورة، فقد سجن في مغارة الكحل وهي قلعة ببلاد الروم
يجري نهر الفرات بجانبها فأخذ فرساً في القلعة وقفز به من أعلى الحصن إلى
النهر، هذا ما أورده ابن خلكان ودائرة المعارف الإسلامية 1/,387.
ونعتقد أنه أسرَ
مرة واحدة ونقل إلى (خَرْشَنَة) ثم القسطنطينية فلبث أسيراً أربع سنوات،
حتى فداه ابن عمه بعد جهد وإلحاح، ويدل على هذا شعر أبي فراس ورواية
الثعالبي في يتيمة الدهر 1/,75. فلو أسر قبل ذلك.. وخلَّص نفسه بتلك
الطريقة الأسطورية لذكر هذا في شعره وفخر به فخراً شديداً، ولذكره
الثعالبي أيضاً فقد كان شديد الاعجاب ببني حمدان عامة.. وأبي فراس خاصة..
وأبو فراس من الشعراء المجيدين الكبار، ولكن معاصرته للمتنبي كسفت نجوم شعره عند تلك الشمس..
ومن أعذب شعره..
وأرقه.. وأكثره إنسانية.. شعره وهو أسير (روميات أبي فراس) وخاصة ما وجهه
لأمه.. وفي بعضه يتجلى الضعف البشري كأوضح ما يكون.. حتى عند أشجع
الفرسان.. فالسجن الطويل، والألم لتنكر ابن عمه، آذيا نفسه كثيراً..
ربما يرتج القول في
المترجم وأمثاله، فلا يدري القائل ماذا يصف، أيطريه عند صياغة القول؟ أو
يصفه عند قيادة العسكر: وهل هو عند ذلك أبرع؟ أم عند هذا أشجع؟ وهل هو
لجمل القوافي أسبك؟ أم لازمة الجيوش أملك؟ والخلاصة أن الرجل بارع في
الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة الملوك، وظروف الأدباء، وضم
إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء، وجمع له بين السيف و القلم، فهو
حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية
تعصيه، ولا الروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين
شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه، وقد ترجم بعض أشعاره إلى
اللغة الألمانية
كما في دائرة المعارف الإسلامية.
قال الثعالبي في
يتيمة الدهر ج 1 ص 27: كان فرد دهره، وشمس عصره، أدبا وفضلا، وكرما ونبلا،
ومجدا وبلاغة وبراعة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن
والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة والمتانة، ومعه
رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في
شعر عبد الله بن المعتز، وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة، ونقدة
الكلام، وكان الصاحب يقول: (بدئ الشعر بملك وختم بملك) يعني امرؤ القيس
وأبا فراس، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، فلا
يتبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من
آل حمدان تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا، وكان سيف الدولة يعجب جدا
بمحاسن أبي فراس، ويميزه بالإكرام عن ساير قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه
في غزواته، ويستخلفه على أعماله، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته
إياه، ويوافيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته. ا هـ.
وتبعه في إطرائه
والثناء عليه ابن عساكر في تاريخه ج 2 ص 440. وابن شهر آشوب في معالم
العلماء. ابن الأثير في الكامل ج 8 ص 194. ابن خلكان في تاريخه ج 1 ص 138.
أبو الفدا في تاريخه ج 2 114. اليافعي في مرآة الجنان ج 2 ص 369. و مؤلفي
شذرات الذهب ج 3 ص 24. مجالس المؤمنين ص 411. رياض العلماء. أمل الآمل ص
266. منتهى المقال ص 349. رياض الجنة في الروضة الخامسة. دائرة المعارف
للبستاني ج 2 ص 300. دائرة المعارف لفريد وجدي ج 7 ص 150. روضات الجنات ص
206. قاموس الأعلام للزركلي ج 1 ص 202. كشف الظنون ج 1 ص 502. تاريخ آداب
اللغة ج 2 ص 241. الشيعة وفنون الاسلام 107. معجم المطبوعات. دائرة
المعارف الإسلامية ج 1 ص 387. وجمع شتات ترجمته وأوعى سيدنا المحسن الأمين
في 260 صحيفة في أعيان الشيعة في الجزء الثامن عشر ص 29 298.
كان المترجم يسكن
منبج، وينتقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة، واشتهر
في عدة معارك معه، حارب بها الروم، أسر مرتين فالمرة
الأولى بـ (مغارة
الكحل) سنة 348 وما تعدوا به (خرشنة) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري
من تحتها، وفيها يقال: إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن
إلى الفرات والله أعلم.
والمرة الثانية:
أسرته الروم على منبج، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351، أسر وهو جريح وقد
أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في
الأسر أربع سنين، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355،
وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين
إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب شج،
تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق بالحفظ لسلاستها، تسمى بالروميات.
قال ابن خالويه:
قال أبو فراس: لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه
أسيرا قبلي، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل
لقاء الملك، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه
ثلاث سجدات أو نحوها، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري،
فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [ برطسان ] يخدمني، و
أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي، وبذل لي المفاداة
مفردا، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن
أختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف
الدولة يستبقي أسارى الروم، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ
من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء
واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت
بوجوههم إلى (خرشنة) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة فقلت في ذلك شعرا:
ولله عندي في الاسئار وغيره * مواهب لم يخصص بها أحد قبلي
حللت عقودا أعجز الناس حلها * وما زال عقدي لا يذم ولا حلي
إذا عاينتني الروم كبر صيدها * كأنهم أسرى لدي وفي كبلي
وأوسع أياما حللت كرامة * كأني من أهلي نقلت إلى أهلي
فقل لبني عمي وأبلغ بني أبي: * بأني في نعماء يشكرها مثلي
وما شاء ربي غير نشر محاسني * وأن يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل
قال ابن خالويه:
تأخرت كتب سيف الدولة عن أبي فراس في أيام أسره، فذلك أنه بلغه أن بعض
الأسراء قال: إن ثقل هذا المال على الأمير كاتبنا فيه صاحب
خراسان وغيره من
الملوك وخففت علينا الأسر، وذكر أنهم فرروا مع الروم إطلاق أسراء المسلمين
بما يحملونه، فاتهم سيف الدولة أبا فراس بهذا القول، لضمانه المال للروم
وقال: من أين تعرفه أهل خراسان؟ فقال أبو فراس هذ القصيدة وأنفذها إلى سيف
الدولة.
قال الثعالبي: كتب
أبو فراس إلى سيف الدولة: مفاداتي إن تعذرت عليك فأذن لي في مكاتبة أهل
خراسان ومراسلتهم ليفادوني وينوبوا عنك في أمري فأجابه سيف الدولة: من
يعرفك بخراسان؟ فكتب إليه أبو فراس:
أسيف الهدى وقريع العرب * إلام الجفاء وفيم الغضب؟
وما بال كتبك قد أصبحت * تنكبني مع هذي النكب؟
وأنت الكريم وأنت الحليم * وأنت العطوف وأنت الحدب (1)
وما زلت تسبقني بالجميل * وتنزلني بالمكان الخصب
وإنك للجبل المشمخر * إلي بل لقومك بل للعرب
وتدفع عن حوزتي الخطوب * وتكشف عن ناظري الكرب
علا يستفاد وعاف يعاد * وعز يشاد ونعمى ترب
وما غض مني هذا الأسار * ولكن خلصت خلوص الذهب
ففيم يعرضني بالخمول * مولى به نلت أعلى الرتب
وكان عتيدا لدي الجواب * ولكن لهيبته لم أجب
أتنكر أني شكوت الزمان * وأني عتبتك فيمن عتب؟!
وإلا رجعت فاعتبتني * وصيرت لي ولقومي الغلب
فلا تنسبن إلي الخمول * أقمت عليك فلم اغترب
وأصبحت منك فإن كان فضل * وإن كان نقص فأنت السبب
وإن خراسان إن أنكرت * علاي فقد عرفتها حلب
ومن أين ينكرني الأبعدون * أمن نقص جد أمن نقص أب؟!؟!
ألست وإياك من أسرة * وبيني وبينك عرق النسب؟!
ميلاده ومقتله
ولد المترجم سنة
320 وقيل 321 ويعين الأول ما حكاه ابن خالويه عن أبي فراس أنه قال له: إن
في سنة 339 كان سني 19 سنة، وقتل يوم الأربعاء لثمان من ربيع الآخر (2) وعن الصابي في تاريخه (3) يوم السبت لليلتين خلتا من جمادي الأولى سنة 357 (4)
وذلك أنه لما مات سيف الدولة عزم أبو فراس على التغلب على حمص وتطلع إليها
وكان مقيما بها فاتصل خبره إلى ابن أخته أبي المعالي ابن سيف الدولة وغلام
أبيه قرعويه (1) وجرت بذلك بين أبي فراس
وبين أبي المعالي وحشة، فطلبه أبو المعالي فانحاز أبو فاس إلى [ صدد ] وهي
قرية في طريق البرية عند حمص، فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب
وغيرهم وسيرهم في طلبه مع قرعويه، فأدركه ب [ صدد ] فكبسوه فاستأمن أصحابه
واختلط هو بمن استأمن معهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله. فقتله وأخذ رأسه
وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الأعراب.
قال الثعالبي: دلت قصيدة قرأتها لأبي إسحاق الصابي في مرثية أبي فراس على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين موالي أسرته.
وقال ابن خالويه:
بلغني أن أبا فراس أصبح يوم مقتله حزينا كئيبا وكان قد قلق في تلك الليلة
قلقا عظيما فرأته ابنته امرأة أبي العشائر كذلك فأحزنها حزنا شديدا ثم بكت
وهو على تلك فأنشأ يقول كالذي ينعي نفسه وإن لم يقصد
* (ما يتبع الشعر) *
توجد هذه القصيدة
كما رسمناها 58 بيتا في ديوانه المخطوط المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي
المعاصر له المتوفى بحلب في خدمة بني حمدان سنة 370، و خمس منها العلامة
الشيخ إبراهيم يحيى العاملي 54 بيتا، وذكر تخميسه في [ منن الرحمان ] ج 1
ص 143 مستهله:
يا للرجال لجرح ليس يلتئم * عمر الزمان وداء ليس ينحسم
حتى متى أيها الأقوام والأمم * الحق مهتضم.........
أودى هدى الناس حتى أن أحفظهم * للخير صار بقول السوء ألفظهم
فكيف توقظهم إن كنت موقظهم * والناس عندك.........
وهي التي شرحها م -
أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي
المتوفى 565، وشرحها ] ابن أمير الحاج بشرحه المعروف المطبوع وتوجد
بتمامها في (الحدائق الوردية) المخطوط، وذكرها القاضي في (مجالس المؤمنين)
ص 411، والسيد ميرزا حسن الزنوزي في (رياض الجنة) في الروضة الخامسة ستين
بيتا، وهي التي شطرها العلامة السيد محسن الأمين العاملي. وإليك نص
البيتين الزائدين:
أمن تشاد له الألحان سايرة * عليهم ذو المعالي أم عليكم؟ (3)
صلى الإله عليهم كلما سجعت * ورق فهم للورى كهف ومعتصم (1)
وأسقط ناشر الديوان منها أبياتا وذكرها 53 بيتا وأحسب أنه التقط أبياتا ما كان يروقه مفادها ودونك الإشارة إليها:[/size]
1 - وكل مائرة الضبعين مسرحها[
2 - وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا
3 - فما السعيد بها إلا الذي ظلموا
4 - للمتقين من الدنيا عواقبها
5 - ليس الرشيد كموسى في القياس ولا[
6 - يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم
7 - صلى الإله عليهم كلما سجعت
هذه القصيدة تعرف ب
(الشافية) وهي من القصايد الخالدة التي تصافقت المصادر على ذكرها أو ذكر
بعضها (2) أو الايعاز إليها، مطردة متداولة بين الأدباء، محفوظة عند
الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمير السيف والقلم وإلى الآن،
وستبقى خالدة مع الدهر، وذلك لما عليها من مسحة البلاغة، ورونق الجزالة،
وجودة السرد، وقوة الحجة، وفخامة المعنى، وسلاسة اللفظ، ولما أنشد ناظمها
(الأمير) أمر خمسمائة سيفا وقيل أكثر يشهر في المعسكر (3) نظمها لما وقف
على قصيدة ابن سكرة العباسي التي أولها:
بني علي دعوا مقالتكم * لا ينقص الدر وضع من وضعه
كانت نشأة أبي فراس
وطفولته في ظل والدته التي حدبت على رعايته، وتحت عطف زوج أخته سيف الدولة
وتتلمذ على اللغوي الشهير ابن خالويه وغيره، كما شاهد أرباب القلم يفدون
على بلاط سيف الدولة، واحتك بهم، ونبغ في الشعر، فتغزل ووصف المعارك، وله
في الأسر قصائد كثيرة مشهورة عرفت بـ"الروميات" تعتبر من أرق شعره وأجمله.
سخر أبو فراس شعره ليتحدث عن مشاعره وأحاسيسه، فقد كان وجدانيا يصف ما يقع
تحت بصره من حوادث ووقائع، وما يعتلج في صدره من آلام وآمال، ولأبي فراس
مكانة عند مؤلفي الأدب، فقد قيل فيه: "بُدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني
امرؤ القيس وأبا فراس".
قصيدة الفداء
خرج ابن أخت ملك الروم إلى نواحي منبج في ألف فارس من الروم، فصادف أبا
فراس يتصيد سبعين فارسا، فقاتلهم حين لم يجد من لقائهم بدا بغير الفرار،
فأصيب بسهم فأخذوه أسيرا، وطلب الروم فداء لأبي فراس إطلاق سراح أخي
"بودرس" ابن أخت ملك الروم الذي كان أسيرا لدى سيف الدولة، فكتب إليه أبو
فراس يحثه على الفداء:
دَعوتـُكَ للجَفــن القريـْــحِ المسهـَّــدِ
لــديّ، وللنـــوم القليــل المُشـــرَّدِ
ومـــا ذاك بُخــلا بالحيــــاةِ وإنهــا
لأولُ مبــــذولٍ لأولِ مُــجـتـــــــدِ
وما الأسر مما ضقت ذرعا بحمله
وما الخطب مما أن أقول له قـَـــدِ
وما زل عني أن شخصا معرضــا
لنبل العد ىإن لم يصب فكأنْ قـَـدِ
ولســـت أبالي إنْ ظفــرت بمطلبٍ
يكونُ رخيصًا أو بوسْــمٍ مُــــزوَّدِ
ولكنني أختــــار مـــوت بنــي أبي
على صهوات الخيل غيـــر موسدِ
وتأبى وآبـــى أن أمــــوتَ مـُـوسدًا
بأيدي النصارى موتَ أكمـــدَ أكبدِ
نضوت على الأيام ثـوب جــلادتي
ولكنني لـــم أنـض ثـــوب التجلــدِ» ابو فراس الحمداني
fatima- دائم الحضور
-
عدد المساهمات : 2183
رد: » ابو فراس الحمداني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
rabie basket- العضو المتميز
-
عدد المساهمات : 705
العمل/الترفيه : eleve
رد: » ابو فراس الحمداني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
fatima- دائم الحضور
-
عدد المساهمات : 2183
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى