عدد تصفح الموقع
اضغط على الآية لمعرفة المزيد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 18 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 18 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 184 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 206 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Nour El Houda Khaldi فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 71341 مساهمة في هذا المنتدى في 44690 موضوع
المقامة البغدادية
صفحة 1 من اصل 1
المقامة البغدادية
المقامة البغدادية
رَوى
الحارثُ بنُ همّامٍ قال: ندَوْتُ بضَواحي الزّوْراء. معَ مشيخَةٍ منَ
الشّعراء. لا يعْلَقُ لهُمْ مُبارٍ بغُبارٍ. ولا يجْري معهُمْ مُمارٍ في
مِضْمارٍ. فأفَضْنا في حديثٍ يفضَحُ الأزهارَ. إلى أنْ نصَفْنا النّهارَ.
فلمّا غاضَ دَرُّ الأفْكارِ. وصبَتِ النّفوسُ الى الأوْكارِ. لمحْنا
عجوزاً تُقبِلُ منَ البُعْدِ. وتُحضِرُ إحْضارَ الجُرْدِ. وقدِ استَتْلَتْ
صِبيَةً أنحَفَ منَ المَغازِلِ. وأضعَفَ منَ الجَوازِلِ. فما كذّبَتْ إذ
رأتْنا. أن عرَتْنا. حتى إذا ما حضرَتْنا. قالت: حيّا اللهُ المَعارِفَ.
وإنْ لم يكُنّ معارِفَ. إعلَموا يا مآلَ الآمِلِ. وثِمالَ الأرامِل. أنّي
منْ سرَواتِ القَبائِلِ. وسَريّاتِ العقائِلِ. لمْ يزَلْ أهلي وبعْلي
يحُلّونَ الصّدْرَ. ويَسيرونَ القلْبَ. ويُمْطونَ الظّهْرَ. ويولونَ
اليَدَ. فلمّا أرْدَى الدّهرُ الأعْضادَ. وفجعَ بالجَوارِحِ الأكْبادَ.
وانقلَبَ ظهْراً لبَطْنٍ. نَبا النّاظِرُ. وجَفا الحاجِبُ. وذهبَتِ
العينُ. وفُقِدَتِ الرّاحةُ. وصلَدَ الزَّنْدُ. ووَهَنتِ اليَمينُ. وضاعَ
اليَسارُ. وبانَتِ المَرافِقُ. ولم يبْقَ لنا ثَنيّةٌ ولا نابٌ. فمُذُ
اغْبرّ العيشُ الأخضَرُ. وازْوَرّ المحْبوبُ الأصفَرُ. اسوَدّ يوْمي
الأبيضُ. وابيَضّ فَوْدي الأسوَدُ. حتى رثَى ليَ العدوّ الأزرَقُ. فحبّذا
الموتُ الأحمَرُ! وتِلْوِي مَنْ ترَوْنَ عينُهُ فُرارُهُ. وترْجُمانُهُ
اصْفِرارُهُ. قُصْوى بِغيَةِ أحدِهِمْ ثُرْدَةٌ. وقُصارَى أمْنِيّتِه
بُردَةٌ. وكنتُ آلَيتُ أنْ لا أبذُلَ الحُرّ. إلا للحُرّ. ولوْ أني مُتُّ
منَ الضُرّ. وقد ناجَتْني القَرونَةُ. بأنْ توجَدَ عندَكُمُ المَعونَةُ.
وآذنَتْني فِراسَةُ الحوْباء. بأنّكُمْ ينابيعُ الحِباء. فنضّرَ اللهُ
امرأً أبَرّ قسَمي. وصدّقَ توسُّمي. ونظَرَ إليّ بعَينٍ يُقذيها الجُمودُ.
ويُقذّيها الجودُ. قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فهِمْنا لبَراعَةِ
عِبارَتِها. ومُلَحِ استِعارَتِها. وقُلْنا لها: قد فتَنَ كلامُكِ. فكيفَ
إلحامُكِ؟ فقالتْ: أفجّرُ الصّخْرَ. ولا فخْرَ! فقُلْنا: إن جعلْتِنا منْ
رُواتِكِ. لم نبْخَلْ بمؤاساتِكِ. فقالت: لأُريَنّكُمْ أوّلاً شِعاري. ثمّ
لأرَوّيَنّكُمْ أشْعاري. فأبرَزَتْ رُدْنَ دِرْعٍ دَريسٍ. وبرَزَتْ
بِرْزةَ عجوزٍ درْدَبيسٍ. وأنْشأتْ تقول:
أشكو إلى اللهِ اشتِكاءَ الـمـريضْ *** ريْبَ الزّمانِ المتعدّي البَـغـيضْ
يا قومُ إني مـنْ أُنـاسٍ غَـنُـوا *** دهراً وجفنُ الدهرِ عنهُمْ غَضيضْ
فخـارُهُـمْ لـيسَ لـهُ دافِــعٌ *** وصيتُهُمْ بينَ الوَرى مُستَـفـيضْ
كانوا إذا مـا نُـجـعَةٌ أعـوزَتْ *** في السّنةِ الشّهباء روْضاً أرِيضْ
تُشَبّ لـلـسّـارينَ نـيرانُـهُـمْ *** ويُطعِمون الضّيفَ لحْماً غَريضْ
ما باتَ جـارٌ لـهُـمُ سـاغِـبـاً *** ولا لرَوْعٍ قال حالَ الـجَـريضْ
فغيّضَتْ منهُمْ صُـروفُ الـرّدى *** بِحارَ جودٍ لمْ نخَلْـهـا تَـغـيضْ
وأُودِعَتْ منهُمْ بُطـونُ الـثّـرى *** أُسْدَ التّحامي وأُساةَ الـمَـريضْ
فمحْمَلي بعْدَ المطـايا الـمـطـا *** وموطِني بعْدَ اليفاعِ الحضـيضْ
وأفرُخي ما تأتَلـي تـشـتَـكـي *** بؤساً لهُ فـي كـلّ يومٍ ومـيضْ
إذا دَعا الـقـانِـتُ فـي لـيلِـهِ *** موْلاهُ نـادَوْهُ بـدمْـعٍ يَفــيضْ
يا رازِقَ النّعّـابِ فـي عُـشّـهِ *** وجابِرَ العظْمِ الكَسيرِ المَـهـيضْ
أتِحْ لنا اللـهُـمّ مَـنْ عِـرضُـهُ *** منْ دنَسِ الذّمّ نـقـيٌ رحـيضْ
يُطفِئ نارَ الجـوعِ عـنّـا ولـوْ *** بمَذْقَةٍ منْ حـاِرزٍ أو مَـخـيضْ
فهلْ فتًى يكشِـفُ مـا نـابَـهُـمْ *** ويغنَمُ الشّكْرَ الطّويلَ الـعـريضْ
فوالّذي تعْنـو الـنّـواصـي لـهُ *** يومَ وجوهُ الجمعِ سـودٌ وبـيضْ
لولاهُمُ لمْ تـبْـدُ لـي صـفـحَةٌ *** ولا تصدّيْتُ لنَظْـمِ الـقَـريضْ
قال الرّاوي: فوَاللهِ لقدْ صدّعتْ بأبياتِها أعْشارَ القُلوبِ.
واستخْرَجَتْ خَبايا الجُيوبِ. حتى ماحَها مَنْ دينُهُ الامْتِناحُ.
وارْتاحَ لرِفدِها مَنْ لمْ نخَلْهُ يرْتاحُ. فلمّا افْعَوْعَمَ جَيبُها
تِبْراً. وأوْلاها كلٌ مِنّا بِرّاً. تولّتْ يتْلوها الأصاغِرُ. وفُوها
بالشّكْرِ فاغرٌ. فاشْرَأبّتِ الجَماعةُ بعْدَ مَمَرّها. الى سبْرِها
لتَبْلوَ مواقِعَ بِرّها. فكفَلْتُ لهُمْ باستِنْباطِ السرّ المرْموزِ.
ونهضْتُ أقْفو أثرَ العَجوزِ. حتى انتهَتْ إلى سوقٍ مُغتَصّةٍ بالأنام.
مُختصّةٍ بالزّحامِ. فانغَمَسَتْ في الغُمارِ. وامّلَسَتْ منَ الصّبْيَةِ
الأغْمارِ. ثمّ عاجَتْ بخُلُوّ بالٍ. إلى مسجِدٍ خالٍ. فأماطَتِ
الجِلْبابَ. ونضَتِ النّقابَ. وأنا ألمَحُها منْ خَصاصِ البابِ. وأرقُبُ
ما ستُبْدي منَ العُجابِ. فلمّا انسرَتْ أُهبَةُ الخفَرِ. رأيتُ مُحَيّا
أبي زيدٍ قد سفَرَ. فهمَمْتُ أن أهْجُمَ عليْهِ. لأعنّفَهُ على ما أجْرى
إليْهِ. فاسْلَنْقَى اسلِنْقاءَ المتمرّدينَ. ثمّ رفَعَ عَقيرةَ
المغرّدينَ. واندفَعَ يُنشِدُ:
يا لَيتَ شِعري أدَهْـري *** أحاطَ عِلْمـاً بـقَـدْري
وهلْ دَرَي كُنْهَ غـوْري *** في الخَدْع أم ليس يدْري
كمْ قدْ قمَـرْتُ بَـنـيهِ *** بحيلَتـي وبـمَـكْـري
وكمْ بـرزَتْ بـعُـرْفٍ *** علـيهِـمِ وبِـنُـكْـرِ
أصْطادُ قوْماً بـوَعْـظٍ *** وآخـرينَ بـشِـعْـرِ
وأسـتـفِـزُّ بـخَــلٍّ *** عقْلاً وعَقْلاً بخَـمْـرِ
وتـارَةً أنـا صـخْـرٌ *** وتارَةً أُختُ صـخْـرِ
ولوْ سلَـكْـتُ سَـبـيلاً *** مألوفَةً طولَ عُمـري
لَخابَ قِدْحي وقَـدْحـي *** ودامَ عُسْري وخُسْـري
فقُـلْ لـمَـنْ لامَ هـذا *** عُذري فدونَكَ عُـذري
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا ظهرْتُ على جليّةِ أمرِهِ. وبَديعَةِ
أمْرِهِ. وما زخْرَفَ في شِعرِه منْ عُذرِهِ. علِمْتُ أنّ شيطانَهُ
المَريدَ. لا يسمَعُ التّفْنيدَ. ولا يفعَلُ إلا ما يُريدُ. فثنَيْتُ إلى
أصحابي عِناني. وأبثَثْتُهُمْ ما أثبتَهُ عِياني. فوجَموا لضَيْعَةِ
الجوائِزِ. وتعاهَدوا على محرَمَةِ العَجائِزِ.
رَوى
الحارثُ بنُ همّامٍ قال: ندَوْتُ بضَواحي الزّوْراء. معَ مشيخَةٍ منَ
الشّعراء. لا يعْلَقُ لهُمْ مُبارٍ بغُبارٍ. ولا يجْري معهُمْ مُمارٍ في
مِضْمارٍ. فأفَضْنا في حديثٍ يفضَحُ الأزهارَ. إلى أنْ نصَفْنا النّهارَ.
فلمّا غاضَ دَرُّ الأفْكارِ. وصبَتِ النّفوسُ الى الأوْكارِ. لمحْنا
عجوزاً تُقبِلُ منَ البُعْدِ. وتُحضِرُ إحْضارَ الجُرْدِ. وقدِ استَتْلَتْ
صِبيَةً أنحَفَ منَ المَغازِلِ. وأضعَفَ منَ الجَوازِلِ. فما كذّبَتْ إذ
رأتْنا. أن عرَتْنا. حتى إذا ما حضرَتْنا. قالت: حيّا اللهُ المَعارِفَ.
وإنْ لم يكُنّ معارِفَ. إعلَموا يا مآلَ الآمِلِ. وثِمالَ الأرامِل. أنّي
منْ سرَواتِ القَبائِلِ. وسَريّاتِ العقائِلِ. لمْ يزَلْ أهلي وبعْلي
يحُلّونَ الصّدْرَ. ويَسيرونَ القلْبَ. ويُمْطونَ الظّهْرَ. ويولونَ
اليَدَ. فلمّا أرْدَى الدّهرُ الأعْضادَ. وفجعَ بالجَوارِحِ الأكْبادَ.
وانقلَبَ ظهْراً لبَطْنٍ. نَبا النّاظِرُ. وجَفا الحاجِبُ. وذهبَتِ
العينُ. وفُقِدَتِ الرّاحةُ. وصلَدَ الزَّنْدُ. ووَهَنتِ اليَمينُ. وضاعَ
اليَسارُ. وبانَتِ المَرافِقُ. ولم يبْقَ لنا ثَنيّةٌ ولا نابٌ. فمُذُ
اغْبرّ العيشُ الأخضَرُ. وازْوَرّ المحْبوبُ الأصفَرُ. اسوَدّ يوْمي
الأبيضُ. وابيَضّ فَوْدي الأسوَدُ. حتى رثَى ليَ العدوّ الأزرَقُ. فحبّذا
الموتُ الأحمَرُ! وتِلْوِي مَنْ ترَوْنَ عينُهُ فُرارُهُ. وترْجُمانُهُ
اصْفِرارُهُ. قُصْوى بِغيَةِ أحدِهِمْ ثُرْدَةٌ. وقُصارَى أمْنِيّتِه
بُردَةٌ. وكنتُ آلَيتُ أنْ لا أبذُلَ الحُرّ. إلا للحُرّ. ولوْ أني مُتُّ
منَ الضُرّ. وقد ناجَتْني القَرونَةُ. بأنْ توجَدَ عندَكُمُ المَعونَةُ.
وآذنَتْني فِراسَةُ الحوْباء. بأنّكُمْ ينابيعُ الحِباء. فنضّرَ اللهُ
امرأً أبَرّ قسَمي. وصدّقَ توسُّمي. ونظَرَ إليّ بعَينٍ يُقذيها الجُمودُ.
ويُقذّيها الجودُ. قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فهِمْنا لبَراعَةِ
عِبارَتِها. ومُلَحِ استِعارَتِها. وقُلْنا لها: قد فتَنَ كلامُكِ. فكيفَ
إلحامُكِ؟ فقالتْ: أفجّرُ الصّخْرَ. ولا فخْرَ! فقُلْنا: إن جعلْتِنا منْ
رُواتِكِ. لم نبْخَلْ بمؤاساتِكِ. فقالت: لأُريَنّكُمْ أوّلاً شِعاري. ثمّ
لأرَوّيَنّكُمْ أشْعاري. فأبرَزَتْ رُدْنَ دِرْعٍ دَريسٍ. وبرَزَتْ
بِرْزةَ عجوزٍ درْدَبيسٍ. وأنْشأتْ تقول:
أشكو إلى اللهِ اشتِكاءَ الـمـريضْ *** ريْبَ الزّمانِ المتعدّي البَـغـيضْ
يا قومُ إني مـنْ أُنـاسٍ غَـنُـوا *** دهراً وجفنُ الدهرِ عنهُمْ غَضيضْ
فخـارُهُـمْ لـيسَ لـهُ دافِــعٌ *** وصيتُهُمْ بينَ الوَرى مُستَـفـيضْ
كانوا إذا مـا نُـجـعَةٌ أعـوزَتْ *** في السّنةِ الشّهباء روْضاً أرِيضْ
تُشَبّ لـلـسّـارينَ نـيرانُـهُـمْ *** ويُطعِمون الضّيفَ لحْماً غَريضْ
ما باتَ جـارٌ لـهُـمُ سـاغِـبـاً *** ولا لرَوْعٍ قال حالَ الـجَـريضْ
فغيّضَتْ منهُمْ صُـروفُ الـرّدى *** بِحارَ جودٍ لمْ نخَلْـهـا تَـغـيضْ
وأُودِعَتْ منهُمْ بُطـونُ الـثّـرى *** أُسْدَ التّحامي وأُساةَ الـمَـريضْ
فمحْمَلي بعْدَ المطـايا الـمـطـا *** وموطِني بعْدَ اليفاعِ الحضـيضْ
وأفرُخي ما تأتَلـي تـشـتَـكـي *** بؤساً لهُ فـي كـلّ يومٍ ومـيضْ
إذا دَعا الـقـانِـتُ فـي لـيلِـهِ *** موْلاهُ نـادَوْهُ بـدمْـعٍ يَفــيضْ
يا رازِقَ النّعّـابِ فـي عُـشّـهِ *** وجابِرَ العظْمِ الكَسيرِ المَـهـيضْ
أتِحْ لنا اللـهُـمّ مَـنْ عِـرضُـهُ *** منْ دنَسِ الذّمّ نـقـيٌ رحـيضْ
يُطفِئ نارَ الجـوعِ عـنّـا ولـوْ *** بمَذْقَةٍ منْ حـاِرزٍ أو مَـخـيضْ
فهلْ فتًى يكشِـفُ مـا نـابَـهُـمْ *** ويغنَمُ الشّكْرَ الطّويلَ الـعـريضْ
فوالّذي تعْنـو الـنّـواصـي لـهُ *** يومَ وجوهُ الجمعِ سـودٌ وبـيضْ
لولاهُمُ لمْ تـبْـدُ لـي صـفـحَةٌ *** ولا تصدّيْتُ لنَظْـمِ الـقَـريضْ
قال الرّاوي: فوَاللهِ لقدْ صدّعتْ بأبياتِها أعْشارَ القُلوبِ.
واستخْرَجَتْ خَبايا الجُيوبِ. حتى ماحَها مَنْ دينُهُ الامْتِناحُ.
وارْتاحَ لرِفدِها مَنْ لمْ نخَلْهُ يرْتاحُ. فلمّا افْعَوْعَمَ جَيبُها
تِبْراً. وأوْلاها كلٌ مِنّا بِرّاً. تولّتْ يتْلوها الأصاغِرُ. وفُوها
بالشّكْرِ فاغرٌ. فاشْرَأبّتِ الجَماعةُ بعْدَ مَمَرّها. الى سبْرِها
لتَبْلوَ مواقِعَ بِرّها. فكفَلْتُ لهُمْ باستِنْباطِ السرّ المرْموزِ.
ونهضْتُ أقْفو أثرَ العَجوزِ. حتى انتهَتْ إلى سوقٍ مُغتَصّةٍ بالأنام.
مُختصّةٍ بالزّحامِ. فانغَمَسَتْ في الغُمارِ. وامّلَسَتْ منَ الصّبْيَةِ
الأغْمارِ. ثمّ عاجَتْ بخُلُوّ بالٍ. إلى مسجِدٍ خالٍ. فأماطَتِ
الجِلْبابَ. ونضَتِ النّقابَ. وأنا ألمَحُها منْ خَصاصِ البابِ. وأرقُبُ
ما ستُبْدي منَ العُجابِ. فلمّا انسرَتْ أُهبَةُ الخفَرِ. رأيتُ مُحَيّا
أبي زيدٍ قد سفَرَ. فهمَمْتُ أن أهْجُمَ عليْهِ. لأعنّفَهُ على ما أجْرى
إليْهِ. فاسْلَنْقَى اسلِنْقاءَ المتمرّدينَ. ثمّ رفَعَ عَقيرةَ
المغرّدينَ. واندفَعَ يُنشِدُ:
يا لَيتَ شِعري أدَهْـري *** أحاطَ عِلْمـاً بـقَـدْري
وهلْ دَرَي كُنْهَ غـوْري *** في الخَدْع أم ليس يدْري
كمْ قدْ قمَـرْتُ بَـنـيهِ *** بحيلَتـي وبـمَـكْـري
وكمْ بـرزَتْ بـعُـرْفٍ *** علـيهِـمِ وبِـنُـكْـرِ
أصْطادُ قوْماً بـوَعْـظٍ *** وآخـرينَ بـشِـعْـرِ
وأسـتـفِـزُّ بـخَــلٍّ *** عقْلاً وعَقْلاً بخَـمْـرِ
وتـارَةً أنـا صـخْـرٌ *** وتارَةً أُختُ صـخْـرِ
ولوْ سلَـكْـتُ سَـبـيلاً *** مألوفَةً طولَ عُمـري
لَخابَ قِدْحي وقَـدْحـي *** ودامَ عُسْري وخُسْـري
فقُـلْ لـمَـنْ لامَ هـذا *** عُذري فدونَكَ عُـذري
قال الحارثُ بنُ هَمّامٍ: فلمّا ظهرْتُ على جليّةِ أمرِهِ. وبَديعَةِ
أمْرِهِ. وما زخْرَفَ في شِعرِه منْ عُذرِهِ. علِمْتُ أنّ شيطانَهُ
المَريدَ. لا يسمَعُ التّفْنيدَ. ولا يفعَلُ إلا ما يُريدُ. فثنَيْتُ إلى
أصحابي عِناني. وأبثَثْتُهُمْ ما أثبتَهُ عِياني. فوجَموا لضَيْعَةِ
الجوائِزِ. وتعاهَدوا على محرَمَةِ العَجائِزِ.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى