عدد تصفح الموقع
اضغط على الآية لمعرفة المزيد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 27 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 27 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 184 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 206 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Nour El Houda Khaldi فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 71341 مساهمة في هذا المنتدى في 44690 موضوع
البارودي يرثي زوجته
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البارودي يرثي زوجته
البارودي يرثي زوجته(1):
التجربة الشعرية الحقة إنما تكون وليدة المعاناة الذاتية والمعايشة الوجدانية؛ فكلما اكتوى الشاعر بنار التجربة كان تعبيره عنها أقرب إلى الصدق الفني وصدق العاطفة والشعور، وكان تعبيره ألصق بالبلاغة من كثير مما نقرؤه أو نسمعه من شعر، لا يحرك فينا عاطفة، ولا يثير لدينا إحساساً؛ لأنه لم ينبع من تجربة، ولم يتولد من معاناة، فجاء باهتاً، لا لون له، يتسم بالبرودة، ويفتقر إلى قوة التعبير وحرارة العاطفة.
والشعر العربي قديمه وحديثه غنيٌ بالنماذج الشعرية التي أودع فيها الشعراء تجاربهم ومعاناتهم في الحياة، فجاءت قوية معبرة، غنية بالصور البيانية والخيالية التي تحمل انفعال الشاعر بالحدث وتأثره به.
من ذلك مرثية محمود سامي البارودي (1255 ـ 1322هـ = 1839 ـ 1904م) الدالية في زوجته، وتعد من عيون الشعر العربي الحديث، ولاقت استحساناً في أوساط الشعراء والنقاد، وصادفت شهرةً في الأوساط الأدبية؛ لأنها تدفقت من شعور صادق، وعبر بها الشاعر عن معاناةٍ مؤلمة صهرت شعوره وعاطفته، فأتت أبياتها تحمل دفق الإحساس الذي عصرته الفاجعة، وعمق الجرح النازف الذي ولدته المصيبة.
أنشأ القصيدة حينما بلغه وهو في سيلان (سرنديب) نبأ وفاة زوجته عديلة بنت أحمد يَكَن باشا في مصر، وكانت السلطات الإنجليزية قد نفته إلى هذه الجزيرة مع أحمد عرابي(2) (1257 ـ 1329هـ = 1841 ـ 1911م) وأربعة من قادة الثورة العرابية بعد إخفاقها في شهر صفر من عام ألفٍ وثلاث مئة من الهجرة (1300هـ / 1882م)، وتوفيت زوجته بعد سنةٍ من نفيه.
والقصيدة طويلة تبلغ سبعة وستين بيتاً، وهي في ديوانه(3) يقول منها:
أَيَدَ المَنُونِ! قدَحْت أيَّ زِنادِ
وأطرْتِ أيَّةَ شعلةٍ بفؤادي(4)
أوهنتِ عزمي وهو حملةُ فيلقٍ
وحَطَمْتِ عودي وهو رمحُ طِرَادِ(5)
لم أدر هل خطبٌ ألمَّ بساحتي
فأناخَ، أم سهمٌ أصابَ سَوَادِي(6)
أقذى العيونَ فأسبلتْ بمدامعٍ
تجري على الخدين كالْفِرْصَادِ(7)
ما كنت أحسَبُنِي أُراعُ لحادثٍ
حتى مُنيِتُ به فأوهنَ آدِي(8)
أبلتنِيَ الحسراتُ حتى لم يكدْ
جسمي يلوحُ لأعينِ العُوَّادِ(9)
أستنجدُ الزفراتِ وهي لوافحٌ
وأُسَفِّهُ العبراتِ وهي بوادِي(10)
لا لوعتي تدعُ الفؤادَ، ولا يدِي
تَقْوى على ردِّ الحبيبِ الغادي(11)
وتجسد الأدبيات شعور البارودي بفداحة المصيبة التي نزلت به، والكارثة التي ألمت بداره.
ويخلص بعد ذلك إلى رسم النتائج المؤلمة التي ترتبت على فقد زوجته، ومظاهر الحزن التي يطالعها وتطالعه في الصباح والمساء، بل في كل ساعةٍ من ساعات الليل والنهار، ولا سيما حين يرى أولادهما معاً قرحى العيون، رواجف الأكباد، قد برح بهم الألم، واعتصر الحزن العميق قلوبهم.
ويعاتب الدهر ـ على عادة الشعراء ـ فيما نزل به من مصيبة، والدهر زمن من الأزمان لا ينفع ولا يضر، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبه في حديث صحيح(12).
يا دهرُ! فيم فجعتني بحليلةٍ!
كانت خُلاصةَ عُدَّتي وعَتَادِي(13)
إنْ كنْتَ لم ترحمْ ضنايَ لبعدِها
أفَلا رحمْتَ من الأسى أولادِي(14)
أفرَدْتَهُنَّ فلم ينمْنَ توجُّعاً
قرحى العيون رواجفَ الأكبادِ
ألقيْنَ دُرَّ عُقُودِهن، وصغن من
دُرِّ الدموع قلائَد الأجيادِ(15)
يبكينَ من ولهٍ فراقَ حَفيَّةٍ
كانت لهن كثيرةَ الإسعادِ(16)
فخدودهنَّ من الدموع ندِيةٌ
وقلوبُهنَّ من الهمومِ صوادِي(17)
أسليلةَ القمرين! أيُّ فجيعةٍ
حَلَّتْ لفقدكِ بين هذا النادي؟!(18)
أعْزِزْ عليَّ بأن أراكِ رهينةً
في جوفِ أغبرَ قاتٍِ الأسدادِ(19)
أو أن تَبِيِني عن قرارةِ منزلٍ
كنتِ الضياءَ له بكلِّ سوادِ(20)
لو كان هذا الدهرُ يقبل فديةً
بالنفسِ عنكِ؛ لكنتُ أولَ فادِي
أو كان يرهبُ صولةً من فاتكٍ
لفعلتُ فِعْلَ الحارثِ بنِ عُبَاِد(21)
لكنها الأقدارُ ليس بناجعٍ
فيها سوى التسليم والإخلادِ(22)
فبأيِّ مقدرةٍ أردُّ يد الأسى
عني وقد ملكتُ عِنَانَ رشادي(23)
أفأستعينُ الصبرَ وهو قساوةٌ
أم أصحبُ السُّلْوَانَ وهو تَعَادِي؟!
ثم استعرض بعض الأمم والممالك الزائلة، وما حصل لها من الأحداث والفناء، مستلهماً منها العبرة لمصيبته والسلوى لفاجعته.
وختم القصيدة مذكراً بأن الموت نهاية كل حي في هذا الوجود.
فعلام يخشى المرءُ صرعةَ يومِهِ
أو ليس أن حياتَهُ لنفَادِ؟!
تَعِسَ امرؤٌ نسي المعادَ، وما درى
أن المَنوُنَ إليه بالمرصادِ
ثم دعا الله تعالى لها بالرحمة والغفران:
وأسأله مغفرةً لمن حلَّ الثرى
بالأمسِ، فهو مجيبُ كُلِّ منادِي
والقصيدة في حاجةٍ إلى وقفة فنية لاستجلاء معانيها والكشف عن محاسنها.
منقـــــــــــــــــــــول
رد: البارودي يرثي زوجته
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
جمال- دائم الحضور
- عدد المساهمات : 1981
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى