عدد تصفح الموقع
اضغط على الآية لمعرفة المزيد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 8 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 8 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 184 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 206 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Nour El Houda Khaldi فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 71341 مساهمة في هذا المنتدى في 44690 موضوع
لغتنا ومناهج التعليم
صفحة 1 من اصل 1
لغتنا ومناهج التعليم
لغتنا ومناهج التعليم
د.أحمد محمد المعتوق
لاتعتبر المدرسة بمفهومها العام – في نظر علماء التربية د.أحمد محمد المعتوق
المعاصرين – مكاناً لتلقين المعارف ونقل المعلومات ، بقدر ما تعتبر صورة
مصغرة مكثفة للحياة الاجتماعية التي يكتسب الناشئ من خلال معايشته لها
المعارف والخبرات والعادات السلوكية عبر اتصاله وتفاعله مع عناصر وفئات
اجتماعية ذات خبرات متنوعة ومتفاوته . إن المدرسة على اختلاف مراحلها
ومستوياتها هي كما يقول جون ديوي Dewey : " مؤسسة
اجتماعية .. وهي صورة للحياة الجماعية تتركز فيها جميع تلك الوسائل التي
تهيئ الطفل للمشاركة في ميراث الجنس البشري ،ولاستخدم قواه الخاصة لتحقيق
الغايات الاجتماعية " (1) وواضح أن اللغة هي من أهم الوسائط
التي تعتمد عليها المؤسسة في أداء مهمتها ومن أهم القوى التي تنميها وتهيئ
الطفل لاستخدامها لتحقيق الغايات الاجتماعية . ولذلك كان إثراء لغة الناشئة
من أهم الأهداف التي يفترض أن تسعى المدرسة جاهدة لتحقيقها ، وبناء على
ذلك يفترض – أيضاً – أن تكون المدرسة من أهم الموارد التي يكتسب الناشئ
منها لغته وينميها ويثري حصيلته من مفرداتها وتراكبيها وأساليبها .
إن الناشئ بوصفه عضواً في المدرسة ، هذا المجتمع الصغير
لايلقنه اللغة مدرس واحد ولا يتعلمها من خلال دراسته للمقررات الدراسية
فحسب ، وإنما يكتسبها ويتعلم مفرداتها وصيغها وكثيراً مما يرتبط بها من
أعراف واصول وقواعد وأساليب من مصادر عديدة متنوعة ، وإن اختلفت هذه
المصادر في نوعيتها وأهميتها ومدى تأثيرها واختلف مدى تعامل الناشئ معها .
فالطفل ، كما يبين هربارت في نظريته التربوية " عندما يدخل
المدرسة يحمل معه ثروة فكرية ناتجة من احتكاكه بالبيئة " (2)
وهو يحمل معه أيضاً ثروة لغوية مكتسبة من هذه البيئة ، مستمدة من أسرته ومن
محيطه . هذا كله بالإضافة إلى ما يتعلمه الناشئ من المواد المتنوعة التي
يدرسها ، وما تتضمنه هذه المواد من أساليب لغوية متعددة منوعة ، ومن تراكيب
وصيغ لفظية منتقاة تمثل اللغة في عصورها وتطوراتها المختلفة ، ومن شروح
لاصول اللغة وقواعدها وتطبيقات عليها . وهكذا فإن الناشئ يتلقن اللغة من
هذه الموارد بمختلف مستوياتها وأشكالها ، الفصحى المنتقاة والعامية الدارجة
، القديمة والحديثة ، العلمية والأدبية .
ورغم أهمية دور المدرسة في إثراء لغة الناشئ وتطوير مهاراته
اللغوية عامة ، فإن هذا الدور يعتمد في نشاطه وحيوته على مدى ما يمتلكه
الناشئ نفسه من استعدادات فطرية لتلقي اللغة أو تعليمها وما لديه من بواعث
نفسية وطموحات شخصية حافزة على التعلم وعلى المشاركة والاختلاط بالآخرين ،
يمارس اللغة معهم ويتأثر بهم وبلغتهم داخل إطار المدرسة : طبقاتهم
الاجتماعية ، مستوياتهم العقلية والثقافية ، ومقدار ما يمتلكونه من وعي ومن
مرونة في التعامل والتعايش والمشاركة .
إضافة إلى ما سبق ، فإن دور المدرسة في تنمية اللغة وتطوير
المهارات فيها يعتمد بشكل أساسي على طبيعة النظام المتبع في التدريس وعلى
نوعية المناهج المقررة وملاءمتها لمستويات الناشئين العقلية وتلبيتها
لحاجاتهم العملية وارتباطها بواقعهم المعيش ، ويعتمد فيضا على كفاءة وإخلاص
من يتولى تنسيق المناهج المقررة وتطبيقها ، وهذا يرتبط بطبيعة الحال بمدى
ما يمتلكه المدرسون والأساتذة من مؤهلات علمية ومن براعة في أداء عملهم ،
ولاشك أن لتوافر الإمكانات والظروف والأسباب المشجعة في المدرسة وتوافر
التقنيات اللازمة لعملية التدريس أثر كبيراً في تحديد نسبة الاكتساب
المعرفي من المدرسة عامة .
ورغم أن معظم الإمكانات متوافرة لدى المدرسة في حياتنا
الحاضرة ،والعوائق المادية التي تواجهها قليلة والحوافز والأسباب المشجعة
كثيرة .
إلا أننا مع ذلك كله لا نشهد للمدرسة دوراً في تنمية اللغة
القومية وتطويرها ونشرها ماثلا على النحو المطلوب في محيطنا الاجتماعي ، بل
إننا قد نلمس الضعف الشديد في اللغة سائداً بين الدراسيين ومدرسيهم
عامة ونرى بعضهم وكأنهم غرباء على لغتهم أو أنها غربية عليهم ، لاسيما
اللغة الفصحي .
إن ظاهرة الضعف في التعبير باللغة الفصحى ظاهرة ملموسة بين
المتعلمين عامة في البلاد العربية ،وربما كان من مظاهر هذا الضعف قلة
الإنتاج الفكري والإبداعي الرصين الأمر الذي نلمس آثاره واضحة ، ثم تداخل
العامية في الفصحى والعربية في الأجنبية ، وهذا ما نشهده في أحاديث
ومناقشات ومحاضرات كثير من المدرسين وأساتذة الجامعات وطائفة كبيرة من
المثقفين ، وكذلك الخلط اللوي الفج والكلام المهجن الذي يظهر بصورة بارزة
على ألسنة نفر من الأساتذة والطلبة في الكليات والمعاهد العلمية وفي ميادين
كثيرة من حياتنا بشكل عام .
إن من الأسباب الرئيسة الظاهرة لهذا الضعف ضآلة المحصول
اللفظي والجهل بمصادر مفردات اللغة وطرق استغلال هذه المصادر أو استخدامها ،
كما أن منها عدم إتقان أصول اللغة وقواعدها أو عدم إدراك الوظائف الأساسية
لهذه الأصول في الحياة العلمية ، ومنها أيضاً الهبوط الثقافي العام وعدم
وجود ارتباط وثيق بمصادر التثقيف الرئيسة أو الغنية وخاصة المواد المقروءة ،
هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى مختلفة المحاور تتعلق بالحياة المادية
القائمة ، وبالصراع الفكري والتذبذب الثقافي الذي يعيشه المجتمع العربي ،
والنقلات والتغيرات الحضارية التي يشهدها وأمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها
والتفصيل فيها .
قد يتباين مدى وجود هذه الظاهرة وتختلف نسبة انتشارها بين
قطر عربي وآخر ، تبعاً للاتجاه الثقافي ونسبة والوعي الفكري والقومي
والمستوى التعليمي ، وتبعاً للظروف الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات
الحضارية التي تخضع لها البلاد أو يتفاعل معها المجتمع ، إلا أن لوجودها
ولانتشارها بشكل عام سلبيات خطيرة تعود آثارها على المجتمع العربي وعلى
مستقبله وهويته الحضارية .
المدرسة ليست المسؤولة الوحيدة عن ضعف الناشئة في لغتهم أو
غربة اللغة في بيتها ومجتمعها ، ولا عن كل الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف
أو هذه الغربة ، ولكن وجود هذا الضعف وتفشيه بين الناشئين وفي البيئات
الدراسية بالخصوص يدل فعلاً على تقصير المدرسة لدينا أو على قصورها وفشلها
في القيام بدورها تجاه اللغة على النحو المطلوب إن معرفة نواحي التقصير أو
أوجه القصور يعتبر بمثابة التشخيص اللازم للداء الذي يسبق تحديد نوعية
العلاج .
القصور في المناهج الدارسية :
إن لقصور المدرسة أو تقصيرها في أداء مهمتها في تنمية حصيلةالناشئة من مفردات اللغة وتراكبيها وأساليبها وفي تطوير مهاراتهم على نحو
عام أسباباً متعددة متشعبة ، بعضها يعود – كما سبقت الإشارة – إلى طبيعة
البيئة التي تنشأ فيها المدرسة والظروف والأوضاع العامة التي تحيط بها أو
بالمؤسسات التعليمية بشكل عام ، كما أن بعضا آخر منها يعود إلى ما قد
تلاقبه المدرسة من عوائق مادية أو معنوية ثمة أسباب رئيسة أخرى تعود بصورة
مباشرة إلى أساليب التعليم ونظمة المتبعة وإلى الكتب والمناهج الدراسية
التي تفرض على الطلاب . وسنقصر الحديث هنا على جوانب القصور المتعلقة
بمناهج التعليم التي تتجسد في المقررات والكتب الدراسية بشكل خاص ، وما
يتعلق منها بتعليم اللغة على نحو أخص (3) ونبدي بعض الملاحظات
عليها بحيث لا نخرج كثيرا عن الإطار المحدد لهذا المقال على أن تتم معالجة
الجوانب الأخرى في مجال آخر بمشيئة الله .
1- من الملاحظ أن عدداً من المقررات والكتب الدراسية
المرتطبة بتعليم اللغة وما يرتبط بها في مراحل التعليم الإعدادي ( ماقبل
التعليم الجامعي ) تفتقر إلى مزيد من التمحيص والدراسة المنهجية في انتقاء
الموضوعات وشرحها وعرضها وتقديمها فموضوعات كثيرة من هذه الكتب أو المقررات
ينقصها عنصر التشويق ، لعدم ارتباطها بواقع الطالب وحياته العلمية وحاجاته
ومتطلباته وظروف عصره ، أو لعدم وجود ما يشجعه فيها على التحدي ويبعثه على
المنافسة ويوسع من آفاق خياله ويشعره بفائدتها ويحفزه على الانجذاب إليها
والحرص على قراءتها . وربما كانت هذه الموضوعات متشابهة ، لاتناول جوابن
الحياة المختلفة ، أو متكررة في أكثر من مرحلة دراسية مع تغييرات طفيفة في
نصوصها ، أو أنها متسمة بطابع تقريري سردي يبعث على السأم والخمول ، أو
أنها مخرجة في صور لاتبعث على الارتياح والإقبال النفسي .
2- إن بعض النصوص المختارة في هذه الكتب والمقررات لاتتلاءم
مع المستوى العقلي والمستوى اللغوي لناشئة هذا العصر ، أما لكونها قديمة
في موضوعاتها ، أو لأن هذه الموضوعات متشعبة مسهبة أو معقدة صعبة في لغتها
يتعسر على الطالب استيعابها وهضم أفكارها أو تصور مضامينها على النحو
المطلوب ، وربما قدمت لبعض النصوص فيها شروح تقليدية مقتبسة صعبة لا تساعد
الطالب على فهم النصوص ولا على الانجذاب إليها بالقدر الكافي فيقدم عليها
مجبراً ويقرؤها متثاقلا ، وقد يجتاز الامتحان فيها ولكنه لايخرج منها إلا
بالقليل من المحصول الفكري واللغوي .
إن المقررات الدراسية لم توضع على أساس دراسات ميدانية
دقيقة متفحصة تستقرئ أذواق التلاميذ وتحسس ميولهم واتجاهاتهم ومستوياتهم
الثقافية واللغوية ،وإنما وضعت على أساس نظرية مثالية متأثرة بتقاليد وطرق
تعليمية وتربوية قديمة تفترض أن ما صلح للسلف لابد أن يصح للخلف أو أن ما
صلح لنا يصلح لأبنائنا ، لذلك فهي لاتراعى التغيرات والتطورات التي طرأت
على حماية هذا الجيل ، وقد يبدو أحياناً كأن واضعي هذه المناهج في معزل عن
أجواء الدراسة والتدريس غير مدركين ما توصلت إليه النظريات التربوية
الحديثة وكل ذلك قد يحدث على حساب إضعاف الناشئة في لغتهم بدلاً من تقويتهم
فيها ، وتنفيرهم منها بدلاً من تحبيبها إليهم .
3- تحتوي بعض الكتب الدراسية – وخاصة كتب الأدب والنقد
والبلاغة في مختلف مراحل التعليم – على عدد من النصوص التي تزدحم فيها
الكلمات والتراكيب والعبارات اللغوية غير المألوفة أو النادرة الاستعمال أو
المهجورة ، التي يتعسر على كثير من الطلبة استيعاب معانيها وفهم مدلولات
مفرداتها وتصورها حتى مع تفسيرها لهم ، مما يلجؤهم إلى حفظ النصوص المقررة
مع المفردات الغربية الغامضة التي تشتمل عليها ومردا فها المفسرة لها على
علانها حفظاً آلياً دون فهم لمعانيها واستيعاب لمضامينها على الوجه الصحيح
وواضح أنه ليس للفظ أية قيمة ما لم يدرك مدلوله ويعرف معناه وواضح أيضاً أن
عدم فهم هذه النصوص يمنع الطالب من تذوقها والاستئناس بها وإدراك النواحي
الجمالية فيها . وقد يحدث تكرار ذلك نفسه شعوراً بالإحباط أو الكراهية
لموضوعات اللغة عامة .
4- يجرى في الكتب والمقررات الدراسية السابقة الذكر أحياناً
تفسير بعض الكلمات بكلمات وعبارات لفظية أكثر غموضاً أو أشد غرابة منها أو
مشابهة لها في غموض المدلول ، مما يجعلها مشوشة في أذهان الطلبة ، أو يزيد
من إبهامها ويدفعهم لحفظها على الرغم من عدم فهمهم إياها وتصورهم
لمدلولاتها تلبية لرغبة مدرسيهم وطمعاً في اجتياز الاختبار فيها بنجاح وإذا
ما تعذر وجود سياقات مكتوبة أو منطوقة تفسر مدلولات هذه الكلمات وتوضحها
لهم فيما بعد بقيت عالقة في أذهانهم جوفاء خالية من المعاني لايتمكنون من
استخدامها ولا استغلالها في تنمية محصولهم الفكري واللغوي .
5- ربما ترد في الكتب والمقررات الدراسية كلمات تفسر بألفاظ
وعبارات متعددة ، وقد تكون هناك فوارق دقيقة بين معاني هذه الألفاظ
والعبارات ، ولايتمكن الطلبة من تمييز هذه الفوارق ولا من تحديد المعنى
المراد أو تعيين اللفظ الذي يفسر الكلمة المشروحة على نحو واضح ومحدد
فتبقيى معاني الكلمات قلقة مضطربه في أذهانهم ، وتظل الكلمات الشارحة
المتعددة مختلطة متراكبة في تفكيرهم ، مما قد يضطرهم إلى حفظها كلها دون
فهم تام لمدلولاتها ، طمعا في الإجابة الصحيحة التي ترضي المدرس وتكسبهم
الدرجة المقدرة في الامتحان وبطبيعة الحال فإن هذه الكلمات التي يحفظونها
لاتشكل أي رصيد لغوي نافع لديهم ، لأن الكلمات بمعانيها المفهومة كما سبقت
الإشارة ومن دون هذه المعاني المفهومة يبقى رصيد الكلمات معطلاً ، بل إنه
يقود إلى مزيد من الضعف بالانفصال عنها والإحساس بغرابتها .
6- بعض من الكتب الدراسية لايولي فيها الاهتمام الكافي
بطباعة الكلمات المفسرة والمفسرة طباعة سليمة بارزة الحروف ولابوضع الحركات
المناسبة عليها ، وهذا يفضي أحياناً إلى اضطراب الناشئة في نقطها وإلى
نفورهم منها أو حفظها على صورة محرفة أو مصحفة أو خاطئة وأخيراً تثبتها في
الذاكرة مضطربة الشكل والمعنى لاتصلح للاستخدام ، وإذا استخدمت أساءت إلى
التغيير .
إن الصفات الأربع الماضية في المقررات الدراسية كلها تقود
الناشئ – في الغالب إلى الحفظ الآلي واختزان طوائف من المفردات اللغوية .
الكتب والمقررات ينقصها عنصر التشويق ، والارتباط بواقع
الطالب وحياته ومتطلباته
مضطربه المعاني أو مجردة من المعاني تماماً ، ولذلك آثار
سلبية متعددة أهمها وأخطرها أثران هما :
أ- البطء في استيعاب المادة المقررة واحتياج التلميذ إلى
حفظ كلمات وعبارات لايفهمها ، وقد يبت أن حفظ المقاطع الكلامية الصماء
الغامضة الدلالة يستغرق جهداً أكثر من ذلك الذي يستغرقه حفظ المقاطع
الكلامية الواضحة الدلالة (4) و"إن تعلم الكلمات ذات المعنى
أسهل من تعلم الكلمات عديمة المعنى ، أي أن التعلم اللفظي يتأثر بدرجة
معنوية الكلمة موضوع التعلم (5) وأن سرعة الحفظ تتوقف على كل ما
ورد لها من معان ومترادفات .
ب- اختزان طائفة من الألفاظ والتعبيرات مجردة من المعاني
العديمة المفعول ، لأن ما لم يفهم معناه من المفرد لايمكن استخدامه في مجال
التعبير . واختران هذه المفردات الجوفاء وحفظها حفظا آليا يشغل حيزاً من
الذاكرة يمكن أن يستثمر في تخزين معلومات أكثر فائدة وأكثر فاعلية . وقد
يزيد الأمر سوءاً كون المواد التي ترد إلى الذاكرة من هذا الطريق كأي
معلومات جديدة أخرى تعمل على إزاحة معلومات سابقة قد تكون أكثر فائدة
وأهمية منها ، هذا إذا تصورنا أن لهذه المواد فائدة أو أهمية تذكر لقد ظهر
لدى علماء النفس أن كل عنصر جديد يرد إلى الذاكرة يعمل على إضعاف تذكر عنصر
قديم ، وقد يعمل على إزاحته بصورة تامة (6) .
7- إن كثير من المقررات الدراسية يتصف بالتقريرية التي
يكتفي فيها بسرد الموضوعات وشرح بعض النصوص وتفسير طائفة من الكلمات ثم وضع
بعض الأسئلة على نحو رتيب أو شكلي في الغالب ، لايولي اهتماماً كافياً
بتنمية مهارات الطالب اللغوية وتعويده على ممارسة اللغة واستخدام مفرداتها
وصيغها المكتسبة منها بشكل فعلي مباشر ، ينمي فيه القدرات الخطابية ، ويثير
فيه الحماسة للتعلم ، ويبعثه على المنافسة ، ويشعره بفاعلية لغته ، ويدفعه
لاكتساب المهارة إظهار البراعة فيها .
8- تعتمد كثير من المناهج العربية نظام التحفيظ والتسميع في
التعليم فتولي اهتماماً كبيراً بتحفيظ المتون دون إعطاء شروح شاملة مفصلة
وتحليلات كافية لهذه المتون ، ودون إعطاء التلاميذ أنفسهم الفرص الكافية
للتصرف في هذه المتون والتعبير الحر عن مضامينها .
ومما يزيد الوضع سوءاً في هذه الناحية أن هناك طائفة ممن
يتولون التعليم في مجتمعنا العربي لاتميز بين ما يجب أن يحفظ نصاً كآيات
القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وأبيات الشعر ، وبين ما يمكن
التعبير عن مضمونه ، كالنوادر والحكايات والسير وبعض الأقوال الحكمية
والرسائل وماشابهها ، أو لاتميز بين النقل الحرفي والنقل الضمني للنص
المدروس ، وبذلك فإن أفراد هذه الطائفة يلزمون من يتولون تعليمهم بحفظ ما
تم اختياره من النصوص – نثرية كانت أم شعرية – دون تصرف أو تغيير مما يزيد
الاعتياد على الحفظ الببغائي أو الآلي الذي سبقت الإشارة إلى سلبياته
ويضاعف من تعطيل الطاقات العقلية للطالب أو يحد من نشاطه وقدرته على
التفكير ويقلص محصوله الفكري واللغوي .
9- ومما قد يرتبط بالفقرة السابقة الاكتفاء أحيانا كثيرة
بالاستخدامات النظرية المجردة للألفاظ والتراكيب اللغوية التي ترد في
النصوص المقررة دون ربطها بالخبرات الحسية التي يكتسبها الطفل في المدرسة
أو في حياته العامة ، فلا تجري في الكتاب المقرر ولا من قبل المدرس الذي
يتولى تدريس الكتاب التطبيقات العملية الحسية على هذه الألفاظ والتركيبات ،
ولاتربط مفاهيمها ومدلولاتها بواقع الطلبة وأجوائهم وظروفهم المحيطة بهم ،
ليتمكنوا من إدراك هذه المفاهيم والمدلولات وتصورها على نحو تام وصحيح
ويتوثق ارتباط اللغة بشؤون حياتهم
10- لا تحتوي المقررات الدراسية على ما يكفي من المواد لبث
الشعور في نفوس الناشئة بشكل مباشر وفعال بقوة لغتهم وبحيويتها وقدرتها على
استيعاب التطورات العلمية والتقنية الحديثة ووفائها بمتطلبات الحياة
الجديدة ، وتوجيههم للاهتمام بها وتهيئتهم نفسياً وفكرياً لاستيعابها ،
والاتجاه الطوعي الذاتي لإثرائها وتقوية المهارات فيها إن الشعور الذي يكاد
يكون سائداً بين الناشئة على عكس ذلك ، وهو أن لغتهم التي يتعملونها ليست
سوى وسيلة للتخاطب وأداة لاجتياز الامتحان ومن ثم الحصول على الوظيفة التي
تؤمن العيش ، ولربما غلب عليهم الشعور وهم يقرؤون ويسمعون حافظ إبراهيم في
اكثر من مرحلة دراسية ينعي اللغة العربية ويحمل جثتها محنطة على قوافية ،
أو يسمعون بعض أساتذتهم يشتدقون بالأجنبية ويفخرون بمعرفتهم لها ، أو يرون
هذه الأجنبية تغزو لغتهم في عقر دراها وتنفذ على معظم مجالات حياتهم ، ربما
غلب عليهم الشعور بأن .
المدرسة ليست المسؤولة الوحيدة عن ضعف الناشئة في لغتهم
أو غربتهم عنها
لغتهم آفلة أو ضعيفة ، ليست جديرة بذلك الاهتمام والتقدير ،
أو أنها مجال اهتمام أهل الأدب والمتخصصين فيه فقط .
لاشك أن للمناهج الدراسية عامة دوراً مشاركاً في بث هذا
الشعور وتعزيز هذا الموقف السلبي إن الحديث الإنساني عن مكانة العربية
والخطب الحماسية التي قد تشتمل عليها بعض المقررات الدراسية لاتكفي لنفي
هذا الشعور إلا إذا اقترنت بالصورة المشهودة المجسدة لمضامينها والمحققة
لنداءاتها ، أما أن تردد هذه الخطب والجمود في المنهج باق ، وارتابة في
الموضوعات المقررة مستمرة ، وغزو اللغة الأجنبية متواصل واللغة تتراجع
وتهزل وتتداخل مع اللغة الأجنبية على ألسنة الكبار ، فإن الموقف لن يتغير .
11- اتصاف كثير من مقررات النحو وعدم التركيز على الوظيفة
الأساسية لكل من النحو والصرف ، وهي ضبط الكلمات وإحكام نظام تأليف الجمل
وصيانة اللسان من الخطأ في النطق وتصريف الألفاظ على نحو سليم وسلامة
الكتابة من كل ما يشنيها أو يخل بها ، فكثير من القواعد التي تشتمل عليها
هذه المقررات متشابكة معقدة أحياناً ذات طابع حفظي يرهق أذهان الطلبة ،
وذات طابع نظري تخصصي أحياناً من حيث شرحها وتبويبها والتفصيل والتشعيب
فيها ووضع التمرينات عليها ، مما يلجئ بعض المدرسين إلى وضع ملخصات
للموضوعات المقررة وإملائها على طلبتهم ليحفظوها حفظاً آلياً ويجتازوا
الامتحان المحتوم فيها
قليلاً ما تجسد قواعد النحو واصول الصرف التي تضمنها هذه
المقررات وتطبق في حياة الطالب الدراسية الفعلية ، وتسخر بشكل مباشر ودائم
لتنمية سليقته عن طريق ربطة بالممارسة الحيوية المباشرة للنشاطات اللغوية
بجميع أشكالها هذا بالإضافة إلى ما تتصف به بعض المقررات المذكورة من رتابة
في جدولة الموضوعات وترتيب أجزائها ومتعلقاتها بحيث لا يختلف مقرر المرحلة
الدراسية اللاحقة عن المقرر في المرحلة السابقة أحياناً إلا في التفصيل
والتشعيب في في القاعدة الموضوعة للدراسة وفي عدد الأسئلة ، دون أن يكون
هناك أي اختلاف في نمط الإخراج أو الشرح أو تلخيص القاعدة أو طريقة وضع
الأسئلة .
إن الصفات السابقة كلها قد تشارك مشاركة فاعلة في تنفير
الطلبة من المقررات المذكورة وتزهدهم فيها أو تشعرهم بغموض لغتهم وتعقيدها
وقلة فاعليتها وحيوتيها .
12-بالإضافة إلى غلبة الجانب النظري على المواد المفروضة في
أغلب المراحل الدراسية لدينا فإن هذه المواد كثيرة ومتشعبة أحياناً ،
ومقرراتها متعددة يركز فيها الأهتمام على كمية المعلومات وكثافتها ، وبذلك
فإن الطالب يلهث وهو يتابع ازدراد المعلومات المكثفة المتزاحمة ويجهد نفسه
في إقحامها في ذهنه والاستعداد للامتحانات المتواصلة فيها ، فلا تبقى له
فرص كافية للممارسة النشاطات اللغوية احرة ، ولا لهضم واستيعاب ما عسى أن
يكتسبه من عناصر لغوية جديدة وترسيخ هذه العناصر في ذاكرته أو ذهنه على نحو
تدريجي متأن .
13- إن الترابط بين المواد يكاد يكون مفقوداً بحيث يسير
تدريس كل مادة أحياناً بشكل مستقل عن المواد الأخرى ، وهذا يحصل حتى بين
شعب المادة الواحدة ، فمادة البلاغة التي تعتبر فرعاً من فروع مادة اللغة
تسير في معزل عن مادة النقد أو الأدب ، ومادة الأدب هي الأخرى تسير مستقلة
عن مادتي المطالعة والنحو ، بينما المفترض أن تكون هذه المواد متداخلة يكمل
بعضها بعضا على نحو متصل ، فتجري تطبيقات في مادة المطالعة مثلاً على
قواعد النحو وقواعد البلاغة أو الصرف التي يدرسها الطالب في موادها الخاصة ،
وأن يتخذ من نصوص الأدب يحفظها الطالب أو يدرسها في مقررات الأدب نماذج
تطبيقية تجسد فيها المعلومات التي يتلقاها في مواد اللغة الأخرى وهكذا . إن
هذا الانفصال يبدد جهد الطالب ويشتت ذهنه ويفقده الإحساس بترابط جوانب
اللغة وبحيوية موضوعاتها .
14- لعدم ارتباط المواد بعضها ببعض عامة فإن السير في تدريس
مادة قد يكون مضاداً للسير في تدريس مادة أخرى على نحو يقلل من آثارها
ويحد مما يستفيده الطالب منها فمدرسو مواد العلوم والجغرافيا والتاريخ على
سبيل المثال لا تعنيهم صحة اللغة وجودة الأسلوب وبلاغة التعبير .
وكثافة المعلومات التي تقضي منهم التكريس تعزز هذا الموقف
منهم ، وبذلك يعتاد التلاميذ على عدم الاكتراث بجودة الأسلوب وسلامة اللغة
وحسن التعبير في عدد من المواد فلا يكون لدراستهم مواد اللغة أثر كبير .
15- في الوقت الذي نرى فيه المؤسسات الخاصة بتعليم اللغات
الأجنبية تولي اهتماماً كبيراً بالحوافز النفسية التي تساعد على اجتذاب
الطالب للغة وتحثه على تعلمها والاهتمام أو التعلق بها ، فتقدم إليه اللغة
في أطر فنية مغربة تشترك في تشكليلها الموضوعات الشائقة المحكمة ، والطباعة
الحديثة السليمة الأنيقة ، والحروف البارزة الجميلة والورق الصقيل أو
المتين المحبب إلى النفس نجد اللغة لدينا تقدم لطلابها في بعض المعاهد
والكليات أو المدارس عامة في كتب ومذكرات منفرة لاتحبب الطلاب إلى مايدرسون
أن يقرؤون فيها : موضوعاتها مشوشة كتبت على عجل أو دون عناية ، وتعبيراتها
خطابية إنشائية تنقصها الدقة ويعوزها التركيز ، وأفكارها متضاربة أو
ينقصها الإحكام والترابط ، أو أن أوراقها صفراء أو سمراء شفافة يختلط
ظاهرها المكتوب بباطنها ، وطباعتها قديمة سيئة تكثر فيها الأخطاء وتتراكب
فيها الحروف وتتزاحم الكلمات وتتقارب الأسطر وتضطرات في قراءاتها الأبصار
وتتشتت الأذهان .
إن هذه الملاحظات تحتاج إلى مزيد من التأمل والتبسيط
والتفصيل والدراسة القائمة على التحليل والتمثيل والمقارنة والتتبع الدقيقة
لمناهج تعليم اللغة العربية على المستوى المحلي والعربي ، وهو عمل ربما
يحتاج إلى لجان متخصصة تشرف عليها إحدى الجامعات أو المؤسسات اللغوية
العربية المعتبرة ، لا تقتصر مهمتها على تشخيص السلبيات وتحليلها وبيان مدى
خطورتها على مستقبل اللغة ، وإنما تتضمن أيضاً السعي لاستئصال هذه
السلبيات ووضع الحلول الجذرية لكل المشكلات التي تعاني منها المقررات
المذكورة ، ثم وضع خطة عربية موحدة لتطوير مناهج التعليم عامة ليتم تدريس
اللغة العربية على أسس علمية منهجية سليمة في جميع أقطار العالم العربي ،
ويتم بالتالي توثيق الارتباط بين ناشئتنا ولغتهم وتعزيز مكانتها في نفوسهم
ومن ثم ضمان مستقبل حضاري زاهر .
إن البر بهذه اللغة مطلوب من كل أبنائها وليس من طائفة منهم
بعينها ومسؤولية تنميتها وحمايتها لا تقع على المدرسة وحدها – وإن كانت
تتحمل جانباً كبيراً من هذه المسؤولية – وإنما تقع على كل جهة وكل مؤسسة بل
كل فرد في المجتمع وإذا كان أفراد المجتمع يختلفون في مدى إحساسهم بهذه
المسؤولية فإن أجهزة التثقيف والإعلام يجب أن تكتفل بتوعية هؤلاء الأفراد
في كل ميادينهم وحقولهم ومجالات عملهم وتشعرهم بمسئوليتهم تجاه لغتهم ،
تدعهم وتساندهم في أداء هذه المهمة وفي تحقيقها بجد وإخلاص كل الجهات التي
تمتلك القوة وتملك القرار ، أي كل من توجه إليهم الأنظار على أنهم القدوة
الحسنة قولاً وعملاً .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى