التقييم والتقويم

هذا مبحثٌ لطيفٌ قَصَرْتُ الكَلِمَ فيه على لَفظتين فُرِّقَ بينهما في الاستعمال، تَبَعًا للتَّفريق بينهما في الدَّلالة. وهو أمرٌ مخالفٌ لأصلِ الوَضْعِ، ومُبايِنٌ لِسَنَن العربِ في الكلام.

أمّا بشأنِ الغَلَط، فهو تَوظِيفُهُم لكلمةِ: (تَقْيِيم) لِتَدُلَّ على معنى: إبرازِ وتحديدِ قيمةِ الشَّيءِ ومحصِّلتِه ونتيجتِه.

وتَوظيفُهم لكلمة (التَّقْوِيم) لِتَدُلَّ على معنى: إصلاح المُفسد، وإقامة وتَعديل المُعْوَجّ.

وهذا التّفريق بين هاتين اللّفظتين من حيث التّباين في الدّلالة، غير معروف[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في لسان العرب، ولا لهجَ به علماءُ العربية وأئمّةُ اللّغة فيما حَبَّرَتْهُ أيديهم من صُنُوف الآداب، ولا فيما رَسَمُوه لنا من أصول اللّغة.

ومَن أمعنَ النَّظرَ في كلا اللّفظتين (تقويم) و(تقييم) تبيّنَ له أنّ مَخرجَهما واحدٌ وهو الفعلُ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (ق وم)؛ وعِلمي: أنّ المعاجم خَلَتْ من الفعل (ق ي م)؛ لأنّ العربَ أهملتْ هذا التّركيب فلم تُوظِّفه في مَلفوظ اللّسان، ولا مَرسوم الكتاب.

ويمكنُ أن يقال: إنّ المصدرَ (تقييم) وليد[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] المصدر(تقويم)؛ أُبدلت فيه الواو ياءً لوجود المناسبة بين الكسرة والياء. وقريبٌ من هذا قوله في معجم الأخطاء الشائعة (ص212 رقم 885): (لأنّ الفعلَ [قَوَّمُوا] واويٌّ أمّا كلمة (قِيمة)، فياؤُها منقلبةٌ عن واوٍ. وفي الإعلال أنّ كلَّ واوٍ تُقلَبُ ياءً إذا كانت ساكنةً وكُسِرَ ما قبلها "[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وعليه فرأيي أن يقال: إنّ كلا اللّفظتين تَحملان الدَّلالة نفسَها، ثمّ يأتي السّياقُ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ليحدِّد المعنى المراد؛ فالسّياقُ كما قيل من المقيِّدات.

وعلى ما سبق تقريره؛ يقال: إنّ المصدر (تقويم) هو الثّابت من حيث اللّغةُ؛ فهو الأولى بالتّوظيف في كلا الدّلالتين؛ لأنّه الأصل، والمصدر (تقييم) هو في حقيقته متفرِّعٌ عنه؛ ومنبثقٌ منه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛ ولذلك لا تكاد تجد أحدًا من المتقدّمين وظّفه (تقييم) في ثنايا لفظه، ومرقوم كتابه.

نعم، لقد وظّفه كلٌّ من:

1. الأصفهانيّ في الأغانيّ (10 /95) و(21 /95).

2. الفيُّوميّ في المصباح المنير (ص309 ع2).

3. أصحاب الفضيلة في المعجم الوسيط (ص771 ع2) و(ص854 ع3).

لكنّهم جميعًا ليسوا من روّاة اللّغة، حتّى يصحّ اعتماد توظيفهم لهذه اللّفظة (تقييم) على أنّها من مفردات اللّغة.

وبعدُ، فإليك - أخي - أسوق شيئًا من تقريرات أئمّة اللّغة، وبعضًا من نظم الشّعراء الفحول، والّتي تَروِي عن العرب سَنَنَهُم في توظيف هذه اللّفظة (تقويم). فمن أشعارهم قول:

1. ذو الرُّمَّة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:

2. حاتم الطّائيّ، قال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:

3. وأنشدَ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ابن الأعرابيّ في صفة النّساء:

4. رُؤْبَة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:

5. أبو العلاء المعرِّي:

6. شاعر[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:

7. قال عبد الله بن همّام السّلوليّ يخاطب النُّعمان بن بشير رضي اللّه عنهما [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:

8. قال أبو الفتح ذو الكفايتين ابن أبي الفضل ابن العميد)[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]:

ومن كلام الأئمّة قول:

أ‌- ابن القفّع، قال في الأدب الكبير (ص82): (لا يَلُومَنَّ الوالي على الزَّلَّة مَن ليس بِمُتْهَمٍ عنده في الحِرص على رِضاه إلاّ لَومَ أدبٍ وتَقْوِيم...).

ب‌- وقال في الأدب الصغير (ص29): (ومَن نصبَ نفسَه للنّاس إمامًا في الدّين، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه وتقويمها في السّيرة والطُّعمة والرّأي واللّفظ والأخدان...).

ت‌- ابن المطرِّز، قال في المغرب(1 /118): (التّثقيف: تَقويم المُعوَّج بالثِّقاف، ويُستعار للتّأديب والتّهذيب).

ث‌- أبي هلال العسكريّ، قال في الفروق اللّغويّة (487 حرف التّاء/الفرق بين التّسديد والتّقويم): (أنّ التّسديد هو التّوجيه للصّواب؛ فيقالُ سَدَّدَ السَّهمَ إذا وجّهه وجهَ الصّواب، والتّقويمُ إزالةُ الاعوجاج كتَقويم الرُّمح والقَدح ثمّ يُستعارُ فيقال: قوّمَ العملَ؛ فالمسدَّدُ المُقَوَّمُ لسببِ الصَّلاح = والإصلاح تقويم الأمر على ما تدعو إليه الحكمة).

ج‌- الجاحظ، قال في البيان والتّبيُّن (1 /19): (وذكر اللّه تعالى جميل بلائه في تعليم البيان وعظيم نعمته في تقويم اللّسان).

ح‌- الجوهريّ، قال في الصّحاح (5/2017 قوم): (والقِيَمةُ: واحدة القِيَمِ؛ وأصله الواو؛ لأنّه يقوم مقام الشّيء

خ‌- الخليل، قال في العين (باب القاف والميم): (والقيمةُ ثمنُ الشَّيء بالتَّقويم. تقولُ: تَقاوَمُوا فيما بينهم).

د‌- الزّبيديّ، قال في تاج العروس (25 /422): (وقال غيره: زوّقتُ الكتابَ والكلامَ: إذا حسّنتَهُ وقَوَّمته، وقال أبوزيد: قال: هذا كتابٌ مزوَّقٌ مزوَّرٌ، وهو المُقَوَّمُ تَقويما، وقد زوَّرَ فلانٌ كتابَه وزوَّقَهُ: إذا قوَّمَه تَقويمًا، وهو مجاز).

ذ‌- الزّمخشريّ، قال في أساسِه (ص382 ع2): (وقوَّمَ العُودَ وأقامَه واستقام وتَقَوَّم. ورُمْحٌ قَوِيمٌ).

ر‌- لسان العرب (3 /75ع1): (وفي صفة عائشة أباها رضي الله عنهما، قالت: وأقام أَوَدَه بثقافِه؛ الأَوَدُ: العوج، والثقاف: هو تقويم المعوج...).

ز‌- محمّد بن أبي الفتح البعليّ، قال في المطلع على أبواب المقنع (1 /403): (التّقويم مصدر قوّمت السّلعةَ إذا حدّدتَ قيمتَها وقدّرتَها، وأهلُ مكّة يقولون استقمت الشّيء بمعنى قوّمته).

وأخير ليُعلم أنّ كثيرا من العلماء قد وظّفوا هذه الكلمة (تقويم) بمعنى إصلاح المعوجّ ضمن أسماء مؤلّفاتهم، وسأقتصر على ذكر ثلاثة أمثلة:

1. تقويم الأَسَل في تفضيل اللَّبَن على العَسَل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] رسالة لقطب الدين محمّد بن محمّد الخيضريّ الدمشقيّ الشافعيّ.

2. تقويم اللِّسان[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لعبد الرّحمن بن علي الجوزيَ. - مطبوع مشهور -

المدخل إلى تقويم اللِّسان وتعليم البيان[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لمحمّد بن أحمد بن هشام أبي عبد الله اللّخميّ اللّغويّ.

ويراجع:

1. الصّحاح (5 /2016 - 2017 باب الميم/قوم).

2. الفائق (3 /166).

3. لسان العرب (12 /500 ع2) و(14 /387).

4. مختار الصحاح (ص557 ع2).

5. المصباح المنير (ص309 ع2).

6. معجم الأخطاء الشائعة (ص212 رقم885).

7. النّهاية (1 /79) و(2 /369 سعى).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ذا في حدود علمي. ويؤيّده ما قرّره في تطهير اللّغة (1 /1 /23 - 25 رقم37): (أقرّ المجمع اللّغويّ " تقييم " بمعنى " تقويم " والتّقويم هو الأصحّ، يقال: قَوَّمَ - لا قَيَّمَ - الشّيءَ تقويمًا إذا حدّدَ قيمتَهُ، وفي الحديث: قالوا يا رسول اللّه لو قوّمت - لا قيّمت - لنا؟. أي سعّرت لنا، فقال: اللّه هو المقوّم - لا المقيّم. والقيمة واحدة القيم وأصله الواو - لا الياء - لأنّه يقوم مقام الشّيء. والّذي دفع المجمع الموقَّر إلى هذا هو التّفرقة بين قوّم بمعنى عَدَّل " قوّمت العود المعوّج أي عدَّلته بعد اعوجاج "، وقوّم بمعنى جعل للشّيء قيمة أي حدّد له ثمنًا " سعّره ". وهذه نيّة حسنة من مجلسنا الموقَّر نُحسن الظنّ بها بل ونحترمها... ولكنّ العلم لا يقوم على حسن النّيات، فاللّغة تؤخذ من أهلها واضعيها وما دام لدينا قوَّم التي تفيد تقويم المعوّج والتي تفيد أيضا تحديد القيمة، وما دامت الكلمة لا تعمل مفردةً بل من خلال السياق... فإنّها - من خلاله - تعطينا ما أراده الكاتب من معنىً يحدّده السِّياق الذي وردت فيه... فلو قلت مثلاً: قوّمت السّيخ المعوّج وقوّمت السّلعة، فسيفهم القارئ أو السّامع أنّ الأولى من التّقويم بمعنى " التّعديل " وأنّ الثانية من التّقويم بمعنى " تحديد القيمة ". ولو قلت: قوّم النّاقد أعمال الأديب فإنّ السّامع لن يفهم إلاّ معنى " القيمة " أي أنّ النّاقد قد وقف على قيمة الأعمال المنقودة وسيكون حكمه على ضوء ما وقف عليه من قيمة...).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] لسان العرب (12 /500 ع2)، والصّحاح (5 /2016 قوم).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال في تطهير اللّغة (1 /1 /23 - 25 رقم37): (وقد علّل الأستاذ/محمد خليفة التّونسي في كتابه القيّم " لغتنا السّمحة " إقرار المجمع اللّغويّ ل " تقييم " تعليلاً علميًّا حين قال: معروف في علم الصرف أنّ الواو إذا وقعت ساكنة بعد حرف مكسور قُلبت ياءً، لتُناسِب الكسرة الّتي قبلها وهذه قاعدة صرفيّة مطّردة... ".

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] اللّسان (12 /500 ع2).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] قال في تطهير اللّغة (1 /1 /23 - 25 رقم37): "... وما دام لدينا قوَّم التي تفيد تقويم المعوّج والّتي تفيد أيضا تحديد القيمة، وما دامت الكلمة لا تعمل مفردةً بل من خلال السّياق... فإنّها - من خلاله - تعطينا ما أراده الكاتب من معنىً يحدّده السِّياق الذي وردت فيه... "

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ويحمل الدّلالة نفسَها.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ديوانه (ص261 رقم 80 المقطوعة: هل تُدنيك من خرقاء ناجيةٌ)، ونُسِب غلطا لعلقمة بن عَبَدَة الفَحل في شرح ديوانه (ص98)، وأساس البلاغة (ص280 ع2)، ولصالح العَمري الفضل في تصحيح نسبة هذا البيت لذي الرّمّة.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ديوانه بشرح أبي صالح يحيى بن مُدرك الطّائي (ص83 رقم28).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] تاريخ بغداد (10 /129رقم5269)، وذمّ الهوى (1 /173)، وكشف الخفاء (1 /457) لسليمان بن يزيد العدوي يذمُّ فيها امرأة، ولسان العرب (8 /226) وفيه البيت الأوّل، نسبه ابن برّي لحاجب بن ذُبيان.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ديوان (ص107 رقم 119)، واللّسان (6 /85)، والعين (5 /225)، وتاج العروس (25 /34) و(26 / 323)، وأساس البلاغة (ص16 ع2 ب خ ق).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الّلسان (9 /21).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] تاج العروس (21 /95).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الإعجاز والإيجاز (1 /227)، والتّذكرة السّعديّة (ص258 رقم 256 الباب الأوّل في الحماسة والافتخار)، وبهجة المجالس (1 /167 باب المملوك والمالك).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كشف الظنون (1 /468).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] تاج العروس (27 /375).

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كشف الظنون (2 /1641).

رابط الموضوع: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]