عدد تصفح الموقع
اضغط على الآية لمعرفة المزيد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 11 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 11 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 184 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 206 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Nour El Houda Khaldi فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 71341 مساهمة في هذا المنتدى في 44690 موضوع
خريف العمر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
خريف العمر
خريف العمر
أيقظها صوت المطر..شعرت بقطراته تقبل الأرض بحرارة كان بينهما موعدا طال انتظاره..و كان الشوق قد تمكن منهما أيما تمكن..رفعت رأسها قليلا فتسرب إليها شيء من البرد حاولت أن تعود للنوم من جديد. و لكن هيهات ..فجأة هرب النعاس من مقلتيها..و استيقظت أفكارها و هواجسها..وآلامها.
فالشتاء ككل سنة يحمل إليها ذكرى بل رزمة من الذكريات المحزنة..تتمنى أحيانا لو تستطيع أن تمنع الشتاء من القدوم..لو تلغي هذا الموسم من أجندة السنة و أحيانا أخرى تتمنى لو تستطيع العودة إلى الوراء و تغيير الزمن..
و لكن أنى لها هذا؟
فهي مجرد عجوز في الستين من عمرها..أكل الدهر رعيليها و شرب..غارت عيناها و ملأت الأخاديد وجهها الذي كان في يوم من الأيام مفعما بالصبا و الجمال..و انحنت قامتها التي لطالما تغزل فيها زوجها الراحل "سي محمد" الذي قضى نحبه في حادث مرور مروع وقع في الطريق الرابط بين "سعيدة" و "سيدي بلعباس" حيث كان -رحمه الله- يعمل سائق سيارة أجرة..و لأنه كان -كما تذكر جيدا- مصرا على العمل في ذلك اليوم المشؤوم رغم أن الثلوج المتساقطة كانت تذكرة الموت في تلك الطريق التي لا تصلح أبدا أن تكون طريقا!
تزوجها و هي لا تزال طالبة في المتوسطة ابنة 15 ربيعا..لم تكن تفقه آنذاك شيئا عن المسؤولية و لكن السي محمد كان نعم الزوج إذ صبر عليها حتى أصبحت ربة بيت ممتازة يشهد لها الجميع بالمهارة و التفوق.
استجمعت قواها الخائرة..ونظرت من النافذة..لاشيء سوى الظلام لتراه..اختفت كل النجوم من السماء تماما كما اختفت الأفراح بعالمها..لا صوت هناك لتسمعه..سوى صوت زخات المطر..عادت إلى مكانها..تشعر باليأس..فمعركتها مع الحياة انتهت بالهزيمة..أطرقت هنيهة ثم قالت بصوت خافت تقطعه الأنات..صوت متعب من كل ما قاله خلال عقود من الزمن:
« يا الهي ماذا جنيت أنا! »
ثم ابتسمت ربما لأنها تذكرت عدد المرات التي رددت فيها هذا السؤال دون أن تعثر له على إجابة أو ربما لأنها مازالت تذكر عبارة سمعتها في شبابها "قمة التحدي إن تبتسم و في عينيك ألف دمعة" و في عيون الحاجة "خديجة" ملايين من الدموع..أو ربما ابتسمت لحاجة في نفس يعقوب..
جالت عيناها طويلا في أنحاء الغرفة ..ثم وقعت على صورة في الزاوية..صورة تجمعها بأبنائها الثلاثة،أغمضت عينيها و انشات تتذكر كيف كان هذا البيت صاخبا في يوم ما،كان الأبناء صغارا حين تركهم السي محمد و انتقل إلى جوار ربه تولت هي أمر تربيتهم ورعايتهم و تعليمهم،إذ كانت شابة قوية أفنت جهدها ووقتها في سبيل إسعادهم و رغم أنها لم تمتلك شهادة ليسانس أو حتى دبلوم فقد اشتغلت خادمة في البيوت..ثو توسط لها احد معارفها و اوجد لها منصب شغل كعاملة تنظيف في مدرسة ابتدائية..
و كبر الأبناء و كبرت معهم أحلام الحاجة "خديجة" و كبرت أيضا مشاكلهم ولم يعد أي منهم يسمع لكلام الأم التي حملت و ربت و عانت لأجلهم الأمرين..
مازالت تتذكر ذلك اليوم الذي جاء فيه ابنها الاكبرقاسم يحمل بيده رزمة من الوثائق و تعلو وجهه ابتسامة عريضة..
-أراك سعيدا يا بني
-نعم..زغردي يا أماه..لقد أتممت وثائق السفر..
-أي سفر هذا؟
-أمي لقد تخرجت منذ سنتين من الجامعة..و أنا للان عاطل عن العمل..لذا سأسافر إلى فرنسا..هناك يا أمي سأحصل على..
فقاطعته
-أتتركني يا ولدي..أتترك بلدك و اهلك..
-بلدي لم تمنحني شيئا..أهلي نسونا منذ وفاة والدي..و أنت ستبقين أمي لن يتغير شيء..
دار بينهما حوار كان للأسف عقيما..فالابن قد عزم على السفر وما من قوة قادرة على منعه و لا حتى دموع الأم المسكينة..و همست "لن يتغير شيء..هكذا وعدني و الحقيقة أن كل شيء قد تغير منذ سفره" و دمعت عيناها حين تذكرت آخر اتصال جمعهما قال لها فيه "توحشت هوا بلادي" ..كان هذا قبل عدة أشهر..و مضت تسترجع الأحداث المحزنة الواحد تلو الأخر..كيف تزوج قاسم من فرنسية ليحصل على الجنسية..ثم رزق منها بتوأم..و ايتدات بينهما الصراعات..التي أفضت في الاخيرالى مأساة..قاسم أراد أن يطلقها..وأرادت هي أن تحصل على الحضانة..فاتهمته بالعمل مع جماعة سلفية تخطط للقيام بتفجيرات في فرنسا.. و لان الأقلية المسلمة العربية دائما يشار إليها بإصبع الاتهام لسبب أو لآخر..فقد سجن و مازالت التحقيقات جارية معه..حتى عمله كمهندس له وزن في إحدى الشركات لم يشفع له فالعروبة و الإسلام وحدهما أدلة كافية لسجنه هناك مدى الحياة رغم براءته..
و الحاجة "خديجة" تسمع أخباره من هنا و هناك بتلهف و بحرقة..
مازال المطر يتساقط..و مازالت الذكريات تلاحقها..
امتدت يدها لتحمل تلك الصورة المركونة في الزاوية..قربتها منها و قالت مخاطبة ابنها الأوسط سمير:
حتى أنت لم تتعلم الدرس يا بني..كنت مصرا على اللحاق بأخيك..أغواك الألق الكاذب..حصل هو على مهنة و زوجة..استهواك الأمر..كان هذا قبل أن يقلب الدهر ظهر المجن و تبدأ مشاكل أخيك مع زوجته و القضاء الفرنسي..اذكر هذا جيدا..كنت يومها فتى طائشا لم ترد إنهاء دراستك..قلت أنا لك وقتها :
-ألا يكفيني أن واحدا منكم غادرني..إني أموت شوقا لأخيك فلماذا تتركني أنت أيضا؟
-ألا تريدين لي النجاح يا أماه..
-و هل النجاح مستحيل هنا..هل هناك وراء البحر جنة عدن يا ولدي..
-نعم..هناك تفتح لنا الأبواب و هنا يوصدونها..
-حتى انه ليس لديك أي وثائق..
-لا تقلقي سأذهب مع جماعة من أصدقائي..لقد دفعت ثمنا لقاء هذا..
-ستكون "حراڤا" إذن..
-سأكون "حالما" و "طموحا" يا أماه..
-قد تموت يا ولدي..
-إني ميت هنا..
-أغمضت عيناها و تنهدت تنهيدة طويلة لو تمثلت نارا لأحرقت الدنيا بأسرها..و مضت تخاطبه بصوت مرتعش:
-لقد توسلت لك قبلت قدميك..أغلقت الباب لكي لا تخرج و بكيت بدل الدموع دماء..و ظننت انك عدلت عن الرحيل..ظننتني نجحت في إثناءك حين عدت لغرفتك و ووعدتني بالبقاء..
في البداية لم انم تلك الليلة..كنت كمن يشعر بأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة..و بين الحين و الاخر تقودني قدماي إلى غرفتك فأتفقدك و أعود و لا ادري كيف غلبني النعاس و لكن حين أفقت لم تكن في سريرك..لم أجد سوى ورقة كتبت لي فيها سامحيني يا أماه..لابد من الرحيل" عرفت حينها انك "قد أسمعت لو ناديت حيا..و لكن لا حياة لمن تنادي".
لم اصدق كيف فعلت بي هذا..و رحت اصرخ كالمجنونة..و لكن أخاك الصغير "عبد الحق" عانقني و منحني بكلماته الرقيقة شيئا من الأمل و الصبر..
هذا الأمل الذي مات بداخلي ..حين حملوا إلي بعد يومين من رحيلك جثتك البيضاء اسودت الدنيا في وجهي..سقطت مغشيا علي..و لم اعلم ماذا افعل..
قالوا لي انك غرقت فالمركب لم يكن صالحا للإبحار..
آه يا ولدي..كيف لي أن أخبرك بما أصابني..أي حزن يتملك المرء حين يرى فلذة كبده جثة هامدة أمامه..صور صباك..ذكرياتنا معا..مازالت تحوم حولي..تجتث أوردتي..تطلق العنان لدموعي..
صمتت برهة من الزمن..نظرت من جديد إلى الصورة التي بللتها الدموع..و قالت بصوت أكثر ارتفاعا مما مضى:
-آه يا الهي ماذا جنيت أنا؟
بعد وفاة ابنها سمير التي تركت جرحا عميقا داخل قلبها..جرحا لم يندمل بعد..جاءت مأساة ابنها الأكبر قاسم لتزيد الجرح عمقا و تغرس السكين في خاصرة امرأة ناضلت طويلا ضد الشقاء ليسعد الأبناء..و لكن دون جدوى..
و نتيجة لكل هذا زاد تعلق الحاجة خديجة بابنها الأصغر عبد الحق الذي أنهى دراسته بامتياز..و اشتغل طبيبا في احد المستشفيات و تزوج مؤخرا بفتاة غنية ساعدته ليفتح عيادة خاصة و ساعدته أيضا لينسى أمه شيئا فشيئا..
كان عبد الحق النور الذي تراه في آخر النفق..و دون سابق إنذار أظلمت الدنيا من حولها..مازال يزورها بين الحين و الآخر..حاملا إليها مستلزمات البيت..يمضي معها ساعات قليلة ٬ تسمع فيها اللسان الذي لا يتوقف عن الكلام و ترى "الأعين التي لا تذرف الدمع"..
هو لا يستطيع أن يطلب منها العيش معه..فزوجته هي صاحبة الفيلا الفخمة و هي التي جعلت منه كما تقول في خاتمة كل نقاش يدور بينهما..جعلت منه "رجلا" و لا تملك هاته الأم المسكينة إلا أن ترضى بالقضاء و القدر..و تستمر في تمثيلها بأنها سعيدة بعلاقتها مع ابنها التي لا تتجاوز علاقة أي محسن بأي فقير يشفق على حاله..
مازالت تعيش في نفس البيت الذي تزوجت فيه قبل 45 سنة..كثيرة هي الأشياء التي تغيرت و لكن الشيء الوحيد الثابت هو حزنها الذي رافقها دوما و لن يغادرها إلا إذا غادرت الروح هذا الجسد المتعب..و لان البيت واسع و مليء بالذكريات المؤلمة..اختارت لنفسها هاته الغرفة تقضي طول اليوم جالسة فيها..تنظر من خلال النافذة للحياة..و تتمنى الموت..تتمنى أن لا يأتي إليها أبدا شتاء آخر وهي قادرة على التنفس..تتمنى أن تلحق بالسي محمد لتخبره هناك في عالم الأرواح:عن الابن المفقود و الابن المسجون و الابن المسروق منها..
لتخبره بأنها هزمت في معركتها ضد الشقاء..و لتعتذر إليه عن هذه الهزيمة..
مازال المطر يتساقط..تماما كدموعها..
وضعت الصورة من يدها في عنف و صرخت:
تبا للشتاء و للمطر..تبا للبحر الذي حرمني من أبنائي..و للزمن الذي وقف في وجه سعادتي بالمرصاد..تبا لهاته الذاكرة التي لم تنس شيئا..
تعبت من التفكير..نهضت من فراشها..و نظرت للسماء بحزن..تمتمت بكلمات غير مفهومة.أغلقت كل الأبواب و النوافذ ثم عادت لمكانها..
سقطت آخر دمعة ساخنة على وجهها..مسحتها بظاهر كفها المليء بالعروق..وضعت فوقها كل الأغطية السميكة حتى لا تسمع صوت المطر..فلا تتسلل إليها الذكريات المؤلمة مرة أخرى..و أغمضت عينيها لتنام بهدوء..
حالمة أن لا تستيقظ أبدا من نومها هذا.
ilhem mimi- العضو المتميز
- عدد المساهمات : 412
رد: خريف العمر
مشكوووووووووووووووورة
لكن يبقى الأمل ما بقيت زرقة السماء و ضحكات الأطفال ...سيعود الأمل يعانق الطموح ويصافح الآلام كي تدرف دموع الفرح أنا موقن إيقان المؤمن المتعبد في محراب الصلاة و هو يرفع أكف الضراعة بصوت هامس يكاد لا يفهم و شفتاه ترتجف و قد ابتلت لحيته و هو يمسحها خلسة خوفا أن تراه ...خنوعا لله.....
ــ بقلم الوهراني ــ
لكن يبقى الأمل ما بقيت زرقة السماء و ضحكات الأطفال ...سيعود الأمل يعانق الطموح ويصافح الآلام كي تدرف دموع الفرح أنا موقن إيقان المؤمن المتعبد في محراب الصلاة و هو يرفع أكف الضراعة بصوت هامس يكاد لا يفهم و شفتاه ترتجف و قد ابتلت لحيته و هو يمسحها خلسة خوفا أن تراه ...خنوعا لله.....
ــ بقلم الوهراني ــ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى