عدد تصفح الموقع
اضغط على الآية لمعرفة المزيد
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 19 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 19 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 184 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 29, 2024 2:23 pm
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 206 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Nour El Houda Khaldi فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 71341 مساهمة في هذا المنتدى في 44690 موضوع
المقامة الحرامية
صفحة 1 من اصل 1
المقامة الحرامية
المقامة الحرامية
روى
الحارثُ بنُ همّامٍ عنْ أبي زيدٍ السَّروجيّ قال: ما زِلْتُ مُذ رحَلْتُ
عنْسي. وارتَحَلْتُ عنْ عِرْسي وغَرْسي. أحِنّ إلى عِيانِ البَصرَةِ.
حَنينَ المظْلومِ إلى النُصرَةِ. لِما أجمَعَ عليْهِ أرْبابُ الدّرايَةِ.
وأصْحابُ الرّوايَةِ. منْ خصائِصِ معالمِها وعُلَمائِها. ومآثِرِ
مشاهِدِها وشُهَدائِها. وأسْألُ اللهَ أن يوطِئَني ثَراها. لأفوزَ
بمرْآها. وأنْ يُمطيَني قَراها. لأقْتَري قُراها. فلمّا أحَلّنيها الحظُّ.
وسرَحَ لي فيها اللّحْظُ. رأيتُ بها ما يمْلأ العَينَ قُرّةً. ويُسْلي عنِ
الأوطانِ كلّ غَريبٍ. فغلَسْتُ في بعض الأيامِ. حينَ نصَلَ خِضابُ
الظّلامِ. وهتَفَ أبو المُنذِرِ بالنُّوّامِ. لأخْطوَ في خِطَطِها.
وأقْضيَ الوطَرَ منْ توسُّطِها. فأدّاني الاخْتِراقُ في مَسالِكِها.
والانصِلاتُ في سِككِها. إلى محلّةٍ موسومَةٍ بالاحْتِرامِ. منسوبَةٍ إلى
بني حَرامٍ. ذاتِ مَساجِدَ مشهودَةٍ. وحِياضٍ موْرودَةٍ. ومَبانٍ وثيقَةٍ.
ومغانٍ أنيقَةٍ. وخصائِصَ أثيرَةٍ. ومَزايا كثيرةٍ:
بها ما شِئْتَ مـنْ دِينٍ ودُنْـيا *** وجيرانٍ تنافَوْا في المعانـي
فمَشغوفٌ بآياتِ المـثـانـي *** ومفْتونٌ برَنّاتِ المـثـانـي
ومُضْطَلِعٌ بتلْخيصِ المعانـي *** ومُطّلِعٌ إلى تخْلـيصِ عـانِ
وكمْ منْ قارِئٍ فيهـا وقـارٍ *** أضَرّا بالجُفونِ وبالجِـفـانِ
وكمْ منْ مَعْلَمٍ للعِلْـمِ فـيهـا *** ونادٍ للنّدى حُلْوِ المَـجـانـي
ومَغْنًى لا تزالُ تـغَـنُّ فـيهِ *** أغاريدُ الغَواني والأغـانـي
فصِلْ إن شِئتَ فيها مَنْ يُصَلّي *** وإمّا شِئْتَ فادنُ منَ الدِّنـانِ
ودونَكَ صُحبَةَ الأكياسِ فيهـا *** أوِ الكاساتِ منطَلِقَ العِنـانِ
قال: فبَينَما أنا أنفُضُ طُرُقَها. وأستَشِفُّ رونَقَها. إذْ لمحْتُ
عندَ دُلوكِ بَراحِ. وإظْلالِ الرّواحِ. مسجِداً مُشتَهِراً بطَرائِفِهِ.
مزدَهِراً بطوائِفِه. وقد أجْرى أهلُهُ ذِكْرَ حُروفِ البدَلِ. وجرَوْا في
حلْبَةِ الجدَلِ. فعُجْتُ نحوَهُمْ. لأستَمطِرَ نوّهُمْ. لا لأقتَبِسَ
نحوَهُمْ. فلمْ يكُ إلا كقَبْسَةِ العَجْلانِ. حتى ارتفَعَتِ الأصْواتُ
بالأذانِ. ثمّ رَدِفَ التّأذينَ بُروزُ الإمامِ. فأُغْمِدَتْ ظُبى
الكلامِ. وحُلّتِ الحِبى للقِيامِ. وشُغِلْنا بالقُنوتِ. عنِ استِمْدادِ
القوتِ. وبالسّجودِ. عنِ استِنْزال الجودِ. ولمّا قُضيَ الفَرْضُ. وكادَ
الجمْعُ ينفَضّ. انْبَرى منَ الجماعَةِ. كهْلٌ حُلْوُ البَراعةِ. لهُ منَ
السّمتِ الحسَنِ. ذَلاقَةُ اللّسَنِ. وفَصاحَةُ الحسَنِ. وقال: يا جيرَتي.
الذينَ اصْطفَيتُهُمْ على أغصانِ شجرَتي. وجعلْتُ خِطتَهُمْ دارَ هِجرَتي.
واتّخَذْتُهُمْ كَرِشي وعَيبَتي. وأعددْتُهُمْ لمَحْضَري وغيْبَتي. أما
تعْلَمونَ أنّ لَبوسَ الصّدقِ أبْهى الملابِسِ الفاخِرةٍ. وأنّ فُضوحَ
الدُنيا أهوَنُ منْ فُضوحِ الآخِرَةِ؟ وأنّ الدّينَ إمْحاضُ النّصيحَةِ.
والإرْشادَ عُنوانُ العَقيدَةِ الصّحيحةِ؟ وأنّ المُستَشارَ مُؤتَمَنٌ.
والمستَرشِدَ بالنُصحِ قَمِنٌ؟ وأنّ أخاكَ هوَ الذي عذلَكَ. لا الذي
عذَرَكَ؟ وصديقَكَ منْ صدقَكَ. لا مَنْ صدّقَكَ؟ فقال لهُ الحاضِرون: أيها
الخِلّ الوَدودُ. والخِدْنُ الموْدودُ. ما سِرّ كلامِكَ المُلغَزِ. وما
شرْحُ خِطابِكَ الموجِزِ. وما الذي تبْغيهِ منّا ليُنْجَزَ؟ فوَالذي
حَبانا بمحبّتِكَ. وجعلَنا منْ صفْوَةِ أحِبّتِكَ. ما نألوكَ نُصْحاً. ولا
ندّخِرُ عنْكَ نَضْحاً. فقال: جُزيتُمْ خيراً. ووُقيتُمْ ضَيراً. فإنّكُمْ
ممّنْ لا يَشْقى بهِمْ جَليسٌ. ولا يصدُرُ عنهُمْ تلْبيسٌ. ولا يُخيَّبُ
فيهِمْ مَظنونٌ. ولا يُطْوى دونَهُمْ مكْنونٌ. وسأبُثّكمْ ما حاكَ في
صدْري. وأستَفْتيكُمْ في ما عيلَ فيهِ صبْري. اعْلَموا أني كُنتُ عندَ
صُلودِ الزّنْدِ. وصُدودِ الجَدّ. أخْلَصْتُ معَ اللهِ نِيّةَ العقْدِ.
وأعطَيتُهُ صَفقَةَ العهْدِ. على أنْ لا أسْبأ مُداماً. ولا أُعاقِرَ
نَدامَي. ولا أحْتَسيَ قهوَةً. ولا أكْتَسيَ نشْوَةً. فسوّلَتْ ليَ
النّفسُ المُضِلّةُ. والشّهوَةُ المُذلّةُ المُزِلةُ. أنْ نادَمْتُ
الأبْطالَ. وعاطَيتُ الأرْطالَ. وأضَعْتُ الوَقارَ. وارتضَعْتُ العُقارَ.
وامتطَيْتُ مَطا الكُمَيتِ. وتناسيْتُ التّوبَةَ تَناسيَ الميْتِ. ثمّ لمْ
أقْنَعْ بهاتِيكُمُ المَرّةِ. في طاعَةِ أبي مُرّةَ. حتى عكفْتُ على
الخَندَريسِ. في يومِ الخَميسِ. وبتُّ صَريعَ الصّهْباء. في اللّيلَةِ
الغرّاء. وها أنا بادي الكآبَةِ. لرَفْضِ الإنابَةِ. نامي النّدامَةِ.
لوصْلِ المُدامَةِ. شديدُ الإشْفاقِ. منْ نقْضِ الميثاقِ. مُعتَرِفٌ
بالإسْرافِ. في عَبّ السُّلافِ:
فيَا قوْمِ هلْ كَفّارَةٌ تعْرِفونَـهـا *** تُباعِدُ منْ ذَنْبي وتُدني إلى ربّي
قال أبو زيد: فلمّا حلّ أُنشوطَةَ نفْثِهِ. وقَضى الوَطَرَ منِ اشتِكاء
بثّهِ. ناجَتْني نفْسي يا أبا زيْدٍ. هذهِ نُهزَةُ صيْدٍ. فشمّرْ عن يدٍ
وأيْدٍ. فانتهَضْتُ منْ مَجْثِمي انتِهاضَ الشّهْمِ. وانخرَطْتُ منَ
الصّفّ انخِراطَ السّهْمِ. وقُلتُ:
أيهـا الأرْوَعُ الــذي *** فاقَ مجْـداً وسـؤدُدا
والذي يبْتَغي الـرّشـا *** دَ ليَنجـو بـهِ غَـدا
إنّ عندي عِـلاجَ مـا *** بِتَّ منهُ مـسَـهَّـدا
فاستَمِعْهـا عـجـيبةً *** غادرَتْنـي مُـلَـدَّدا
أنا منْ ساكِني سَـرو *** جَ ذَوي الدّينِ والهُدى
كنتُ ذا ثـرْوَةٍ بـهـا *** ومُطاعـاً مُـسَـوَّدا
مرْبَعي مألَفُ الضّـيو *** فِ ومالي لهُمْ سُـدَى
أشتَري الحمْدَ باللُّهـى *** وأقي العِرْضَ بالجَدا
لا أُبالي بـمُـنـفِـسٍ *** طاحَ في البَذْلِ والنّدى
أوقِدُ النـارَ بـالـيَفـا *** عِ إذا النِّكسُ أخْمَـدا
وبَراني المـؤمِّـلـو *** نَ مَلاذاً ومَقْـصِـدا
لمْ يشِمْ بارِقـي صَـدٍ *** فانْثَنى يشْتَكي الصّدَى
لا ولا رامَ قـابِــسٌ *** قدْحَ زَندي فأصْـلَـدا
طالَما ساعَدَ الـزّمـا *** نُ فأصْبَحْتُ مُسْعَـدا
فقَضى اللـهُ أنْ يُغـيّـ *** رَ مـا كـانَ عَـوّدا
بوّأ الـرّومَ أرْضَـنـا *** بعْدَ ضِغْـنٍ تـولَّـدا
فاسْتباحوا حـريمَ مَـنْ *** صادَفـوهُ مـوَحِّـدا
وحوَوْا كلَّ ما استـسـ *** رّ بها لي ومـا بـدا
فتطوّحْتُ في الـبِـلا *** دِ طَـريداً مُـشـرَّدا
أجْتَدي الناسَ بعْـدَمـا *** كُنتُ من قَبْلُ مُجْتَدى
وتُرى بي خَصـاصَةٌ *** أتَمنّى لـهـا الـرّدى
والـبَـلاءُ الـذي بـهِ *** شمْلٌ أُنسـي تـبَـدّدا
إسْتِباءُ ابْنَتـي الـتـي *** أسَروها لتُـفْـتَـدى
فاسْتَبِنْ مِحـنَـتـي ومـ *** دّ إلى نُصْـرَتـي يَدا
وأجِرْني منَ الـزّمـا *** نِ فقدْ جارَ واعْتَـدى
وأعِنّي علـى فَـكـا *** كِ ابْنَتي منْ يدِ العِدَى
فبِذا تَنْمَـحـي الـمـآ *** ثِمُ عـمّـنْ تـمـرّدا
وبِـهِ تُـقـبَـلُ الإنـا *** بَةُ مـمّـنْ تـزَهّـدا
وهْوَ كفّـارَةٌ لـمَـنْ *** زاغَ منْ بعْدِ ما اهْتَدى
ولَئِنْ قُمتُ مُـنـشِـداً *** فلقَدْ فُهْتُ مُـرشِـدا
فاقْبَلِ النُصْحَ والـهِـدا *** يَةَ واشْكُرْ لمَنْ هَـدى
واسمَحِ الآنَ بـالّـذي *** يتسنّى لـتُـحْـمَـدا
قال أبو زيدٍ: فلمّا أتْمَمْتُ هذْرَمَتي. وأُوهِمَ المسؤولُ صِدْقَ
كلِمَتي. أغْراهُ القرَمُ إلى الكرَمِ بمؤاساتي. ورغّبَهُ الكلَفُ بحمْلِ
الكُلَفِ في مُقاساتي. فرضَخَ لي على الحافِرَةِ. ونضَخَ لي بالعِدَةِ
الوافِرَةِ. فانقلَبْتُ إلى وَكْري. فرِحاً بنُجْحِ مَكْري. وقد حصلْتُ
منْ صوْغِ المَكيدةِ. على سوْغِ الثّريدَةِ. ووصلْتُ منْ حوْكِ
القَصيدَةِ. إلى لوْكِ العَصيدَةِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ
سُبحانَ منْ أبدعَكَ. فما أعْظمَ خُدَعَكَ. وأخْبَثَ بدَعَكَ! فاستَغْرَبَ
في الضّحِك. ثمّ أنشدَ غيرَ مُرتَبِكٍ:
عِشْ بالخِداعِ فأنـتَ فـي *** دهْرٍ بَنوهُ كأُسْدِ بِـيشَـهْ
وأدِرْ قَناةَ المَـكْـرِ حـتـ *** ى تسْتَديرَ رَحى المَعيشَهْ
وصِدِ النّسورَ فإنْ تـعـذ *** رَ صيدُها فاقْنَعْ بريشَـهْ
واجْنِ الثّمارَ فإنْ تـفُـتْـ *** كَ فرَضّ نفسَكَ بالحشيشَهْ
وأرِحْ فـؤادَكَ إنْ نَـبـا *** دهْرٌ منَ الفِكَرِ المُطيشَهْ
فتـغـايُرُ الأحْــداثِ يؤ *** ذِنُ باستِحالَةِ كُلّ عيشَـهْ
روى
الحارثُ بنُ همّامٍ عنْ أبي زيدٍ السَّروجيّ قال: ما زِلْتُ مُذ رحَلْتُ
عنْسي. وارتَحَلْتُ عنْ عِرْسي وغَرْسي. أحِنّ إلى عِيانِ البَصرَةِ.
حَنينَ المظْلومِ إلى النُصرَةِ. لِما أجمَعَ عليْهِ أرْبابُ الدّرايَةِ.
وأصْحابُ الرّوايَةِ. منْ خصائِصِ معالمِها وعُلَمائِها. ومآثِرِ
مشاهِدِها وشُهَدائِها. وأسْألُ اللهَ أن يوطِئَني ثَراها. لأفوزَ
بمرْآها. وأنْ يُمطيَني قَراها. لأقْتَري قُراها. فلمّا أحَلّنيها الحظُّ.
وسرَحَ لي فيها اللّحْظُ. رأيتُ بها ما يمْلأ العَينَ قُرّةً. ويُسْلي عنِ
الأوطانِ كلّ غَريبٍ. فغلَسْتُ في بعض الأيامِ. حينَ نصَلَ خِضابُ
الظّلامِ. وهتَفَ أبو المُنذِرِ بالنُّوّامِ. لأخْطوَ في خِطَطِها.
وأقْضيَ الوطَرَ منْ توسُّطِها. فأدّاني الاخْتِراقُ في مَسالِكِها.
والانصِلاتُ في سِككِها. إلى محلّةٍ موسومَةٍ بالاحْتِرامِ. منسوبَةٍ إلى
بني حَرامٍ. ذاتِ مَساجِدَ مشهودَةٍ. وحِياضٍ موْرودَةٍ. ومَبانٍ وثيقَةٍ.
ومغانٍ أنيقَةٍ. وخصائِصَ أثيرَةٍ. ومَزايا كثيرةٍ:
بها ما شِئْتَ مـنْ دِينٍ ودُنْـيا *** وجيرانٍ تنافَوْا في المعانـي
فمَشغوفٌ بآياتِ المـثـانـي *** ومفْتونٌ برَنّاتِ المـثـانـي
ومُضْطَلِعٌ بتلْخيصِ المعانـي *** ومُطّلِعٌ إلى تخْلـيصِ عـانِ
وكمْ منْ قارِئٍ فيهـا وقـارٍ *** أضَرّا بالجُفونِ وبالجِـفـانِ
وكمْ منْ مَعْلَمٍ للعِلْـمِ فـيهـا *** ونادٍ للنّدى حُلْوِ المَـجـانـي
ومَغْنًى لا تزالُ تـغَـنُّ فـيهِ *** أغاريدُ الغَواني والأغـانـي
فصِلْ إن شِئتَ فيها مَنْ يُصَلّي *** وإمّا شِئْتَ فادنُ منَ الدِّنـانِ
ودونَكَ صُحبَةَ الأكياسِ فيهـا *** أوِ الكاساتِ منطَلِقَ العِنـانِ
قال: فبَينَما أنا أنفُضُ طُرُقَها. وأستَشِفُّ رونَقَها. إذْ لمحْتُ
عندَ دُلوكِ بَراحِ. وإظْلالِ الرّواحِ. مسجِداً مُشتَهِراً بطَرائِفِهِ.
مزدَهِراً بطوائِفِه. وقد أجْرى أهلُهُ ذِكْرَ حُروفِ البدَلِ. وجرَوْا في
حلْبَةِ الجدَلِ. فعُجْتُ نحوَهُمْ. لأستَمطِرَ نوّهُمْ. لا لأقتَبِسَ
نحوَهُمْ. فلمْ يكُ إلا كقَبْسَةِ العَجْلانِ. حتى ارتفَعَتِ الأصْواتُ
بالأذانِ. ثمّ رَدِفَ التّأذينَ بُروزُ الإمامِ. فأُغْمِدَتْ ظُبى
الكلامِ. وحُلّتِ الحِبى للقِيامِ. وشُغِلْنا بالقُنوتِ. عنِ استِمْدادِ
القوتِ. وبالسّجودِ. عنِ استِنْزال الجودِ. ولمّا قُضيَ الفَرْضُ. وكادَ
الجمْعُ ينفَضّ. انْبَرى منَ الجماعَةِ. كهْلٌ حُلْوُ البَراعةِ. لهُ منَ
السّمتِ الحسَنِ. ذَلاقَةُ اللّسَنِ. وفَصاحَةُ الحسَنِ. وقال: يا جيرَتي.
الذينَ اصْطفَيتُهُمْ على أغصانِ شجرَتي. وجعلْتُ خِطتَهُمْ دارَ هِجرَتي.
واتّخَذْتُهُمْ كَرِشي وعَيبَتي. وأعددْتُهُمْ لمَحْضَري وغيْبَتي. أما
تعْلَمونَ أنّ لَبوسَ الصّدقِ أبْهى الملابِسِ الفاخِرةٍ. وأنّ فُضوحَ
الدُنيا أهوَنُ منْ فُضوحِ الآخِرَةِ؟ وأنّ الدّينَ إمْحاضُ النّصيحَةِ.
والإرْشادَ عُنوانُ العَقيدَةِ الصّحيحةِ؟ وأنّ المُستَشارَ مُؤتَمَنٌ.
والمستَرشِدَ بالنُصحِ قَمِنٌ؟ وأنّ أخاكَ هوَ الذي عذلَكَ. لا الذي
عذَرَكَ؟ وصديقَكَ منْ صدقَكَ. لا مَنْ صدّقَكَ؟ فقال لهُ الحاضِرون: أيها
الخِلّ الوَدودُ. والخِدْنُ الموْدودُ. ما سِرّ كلامِكَ المُلغَزِ. وما
شرْحُ خِطابِكَ الموجِزِ. وما الذي تبْغيهِ منّا ليُنْجَزَ؟ فوَالذي
حَبانا بمحبّتِكَ. وجعلَنا منْ صفْوَةِ أحِبّتِكَ. ما نألوكَ نُصْحاً. ولا
ندّخِرُ عنْكَ نَضْحاً. فقال: جُزيتُمْ خيراً. ووُقيتُمْ ضَيراً. فإنّكُمْ
ممّنْ لا يَشْقى بهِمْ جَليسٌ. ولا يصدُرُ عنهُمْ تلْبيسٌ. ولا يُخيَّبُ
فيهِمْ مَظنونٌ. ولا يُطْوى دونَهُمْ مكْنونٌ. وسأبُثّكمْ ما حاكَ في
صدْري. وأستَفْتيكُمْ في ما عيلَ فيهِ صبْري. اعْلَموا أني كُنتُ عندَ
صُلودِ الزّنْدِ. وصُدودِ الجَدّ. أخْلَصْتُ معَ اللهِ نِيّةَ العقْدِ.
وأعطَيتُهُ صَفقَةَ العهْدِ. على أنْ لا أسْبأ مُداماً. ولا أُعاقِرَ
نَدامَي. ولا أحْتَسيَ قهوَةً. ولا أكْتَسيَ نشْوَةً. فسوّلَتْ ليَ
النّفسُ المُضِلّةُ. والشّهوَةُ المُذلّةُ المُزِلةُ. أنْ نادَمْتُ
الأبْطالَ. وعاطَيتُ الأرْطالَ. وأضَعْتُ الوَقارَ. وارتضَعْتُ العُقارَ.
وامتطَيْتُ مَطا الكُمَيتِ. وتناسيْتُ التّوبَةَ تَناسيَ الميْتِ. ثمّ لمْ
أقْنَعْ بهاتِيكُمُ المَرّةِ. في طاعَةِ أبي مُرّةَ. حتى عكفْتُ على
الخَندَريسِ. في يومِ الخَميسِ. وبتُّ صَريعَ الصّهْباء. في اللّيلَةِ
الغرّاء. وها أنا بادي الكآبَةِ. لرَفْضِ الإنابَةِ. نامي النّدامَةِ.
لوصْلِ المُدامَةِ. شديدُ الإشْفاقِ. منْ نقْضِ الميثاقِ. مُعتَرِفٌ
بالإسْرافِ. في عَبّ السُّلافِ:
فيَا قوْمِ هلْ كَفّارَةٌ تعْرِفونَـهـا *** تُباعِدُ منْ ذَنْبي وتُدني إلى ربّي
قال أبو زيد: فلمّا حلّ أُنشوطَةَ نفْثِهِ. وقَضى الوَطَرَ منِ اشتِكاء
بثّهِ. ناجَتْني نفْسي يا أبا زيْدٍ. هذهِ نُهزَةُ صيْدٍ. فشمّرْ عن يدٍ
وأيْدٍ. فانتهَضْتُ منْ مَجْثِمي انتِهاضَ الشّهْمِ. وانخرَطْتُ منَ
الصّفّ انخِراطَ السّهْمِ. وقُلتُ:
أيهـا الأرْوَعُ الــذي *** فاقَ مجْـداً وسـؤدُدا
والذي يبْتَغي الـرّشـا *** دَ ليَنجـو بـهِ غَـدا
إنّ عندي عِـلاجَ مـا *** بِتَّ منهُ مـسَـهَّـدا
فاستَمِعْهـا عـجـيبةً *** غادرَتْنـي مُـلَـدَّدا
أنا منْ ساكِني سَـرو *** جَ ذَوي الدّينِ والهُدى
كنتُ ذا ثـرْوَةٍ بـهـا *** ومُطاعـاً مُـسَـوَّدا
مرْبَعي مألَفُ الضّـيو *** فِ ومالي لهُمْ سُـدَى
أشتَري الحمْدَ باللُّهـى *** وأقي العِرْضَ بالجَدا
لا أُبالي بـمُـنـفِـسٍ *** طاحَ في البَذْلِ والنّدى
أوقِدُ النـارَ بـالـيَفـا *** عِ إذا النِّكسُ أخْمَـدا
وبَراني المـؤمِّـلـو *** نَ مَلاذاً ومَقْـصِـدا
لمْ يشِمْ بارِقـي صَـدٍ *** فانْثَنى يشْتَكي الصّدَى
لا ولا رامَ قـابِــسٌ *** قدْحَ زَندي فأصْـلَـدا
طالَما ساعَدَ الـزّمـا *** نُ فأصْبَحْتُ مُسْعَـدا
فقَضى اللـهُ أنْ يُغـيّـ *** رَ مـا كـانَ عَـوّدا
بوّأ الـرّومَ أرْضَـنـا *** بعْدَ ضِغْـنٍ تـولَّـدا
فاسْتباحوا حـريمَ مَـنْ *** صادَفـوهُ مـوَحِّـدا
وحوَوْا كلَّ ما استـسـ *** رّ بها لي ومـا بـدا
فتطوّحْتُ في الـبِـلا *** دِ طَـريداً مُـشـرَّدا
أجْتَدي الناسَ بعْـدَمـا *** كُنتُ من قَبْلُ مُجْتَدى
وتُرى بي خَصـاصَةٌ *** أتَمنّى لـهـا الـرّدى
والـبَـلاءُ الـذي بـهِ *** شمْلٌ أُنسـي تـبَـدّدا
إسْتِباءُ ابْنَتـي الـتـي *** أسَروها لتُـفْـتَـدى
فاسْتَبِنْ مِحـنَـتـي ومـ *** دّ إلى نُصْـرَتـي يَدا
وأجِرْني منَ الـزّمـا *** نِ فقدْ جارَ واعْتَـدى
وأعِنّي علـى فَـكـا *** كِ ابْنَتي منْ يدِ العِدَى
فبِذا تَنْمَـحـي الـمـآ *** ثِمُ عـمّـنْ تـمـرّدا
وبِـهِ تُـقـبَـلُ الإنـا *** بَةُ مـمّـنْ تـزَهّـدا
وهْوَ كفّـارَةٌ لـمَـنْ *** زاغَ منْ بعْدِ ما اهْتَدى
ولَئِنْ قُمتُ مُـنـشِـداً *** فلقَدْ فُهْتُ مُـرشِـدا
فاقْبَلِ النُصْحَ والـهِـدا *** يَةَ واشْكُرْ لمَنْ هَـدى
واسمَحِ الآنَ بـالّـذي *** يتسنّى لـتُـحْـمَـدا
قال أبو زيدٍ: فلمّا أتْمَمْتُ هذْرَمَتي. وأُوهِمَ المسؤولُ صِدْقَ
كلِمَتي. أغْراهُ القرَمُ إلى الكرَمِ بمؤاساتي. ورغّبَهُ الكلَفُ بحمْلِ
الكُلَفِ في مُقاساتي. فرضَخَ لي على الحافِرَةِ. ونضَخَ لي بالعِدَةِ
الوافِرَةِ. فانقلَبْتُ إلى وَكْري. فرِحاً بنُجْحِ مَكْري. وقد حصلْتُ
منْ صوْغِ المَكيدةِ. على سوْغِ الثّريدَةِ. ووصلْتُ منْ حوْكِ
القَصيدَةِ. إلى لوْكِ العَصيدَةِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ
سُبحانَ منْ أبدعَكَ. فما أعْظمَ خُدَعَكَ. وأخْبَثَ بدَعَكَ! فاستَغْرَبَ
في الضّحِك. ثمّ أنشدَ غيرَ مُرتَبِكٍ:
عِشْ بالخِداعِ فأنـتَ فـي *** دهْرٍ بَنوهُ كأُسْدِ بِـيشَـهْ
وأدِرْ قَناةَ المَـكْـرِ حـتـ *** ى تسْتَديرَ رَحى المَعيشَهْ
وصِدِ النّسورَ فإنْ تـعـذ *** رَ صيدُها فاقْنَعْ بريشَـهْ
واجْنِ الثّمارَ فإنْ تـفُـتْـ *** كَ فرَضّ نفسَكَ بالحشيشَهْ
وأرِحْ فـؤادَكَ إنْ نَـبـا *** دهْرٌ منَ الفِكَرِ المُطيشَهْ
فتـغـايُرُ الأحْــداثِ يؤ *** ذِنُ باستِحالَةِ كُلّ عيشَـهْ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى